قرار رقم: 23/ 2019



إن المجلس الدستوري،

الملتئم في مقره بتاريخ  12 / 9 /2019 برئاسة رئيسه طنوس مشلب وحضور نائب الرئيس أكرم بعاصيري  والأعضاء: عوني رمضان، الياس بو عيد، أنطوان بريدي، عبدالله الشامي، رياض أبو غيدا، عمر حمزه، ، فوزات فرحات والياس مشرقاني.

وعملاً بالمادة 19 من الدستور،

وبعد الاطلاع على ملف المراجعة وسائر المستندات المرفقة بها، وعلى تقرير المقرر، المؤرخ في 3/9/2019، تبين ما يلي:

 

في المراجعة رقم 4/2019:

       حيث انه بتاريخ 14/8/2019 تقدّم النواب بولا يعقوبيان وادي دمرجيان وسامي الجميل والياس حنكش وفؤاد مخزومي وجان طالوزيان واسامة سعد واللواء جميل السيد وعدنان طرابلسي ونديم الجميل وشامل روكز بمراجعة سجلت في قلم المجلس الدستوري تحت الرقم 4/2019 طلبوا بموجبها قبول المراجعة شكلاً وفي الأساس اعلان عدم دستورية المواد 26 و27 و89 و94 وباقي المواد التي تعرّضت للقضاة وبالتالي ابطال هذه المواد.

       حيث ان المستدعين أدلوا بما يلي:

1-انه يقتضي ابطال المواد التالية:

أ-المادتين 26 و94 لمخالفتهما الحقوق الاجتماعية ذات القيمة الدستورية والمنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الانسان وسائر المواثيق الدولية ومنها العهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الواردة جميعها في صلب الدستور، وأيضاً لمخالفتهما مبدأ عدم جواز ان يُعدّل المشترع قانوناً يتعلق بأحد الحقوق الأساسية اذا كان من شأن هذا التعديل ان يلغي او يخفض الضمانات التي لحظها القانون السابق.

ب-المادة 89 لمخالفتها التعريف الدستوري لقانون الموازنة الوارد في المادة 83 من الدستور، أي انها من فرسان الموازنة، إضافة الى عدم استطلاع رأي السلطة القضائية بشأنها، الامر الذي يشكل مخالفة للفقرة (ه) من مقدمة الدستور التي تنص على ان النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.

ج-المادة 27 لمخالفتها الفقرة (ج) من مقدمة الدستور التي تنص على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل، والذي ينبثق عنه مبدأ المساواة بين الأشخاص المتولين سلطة دستورية، إذ ان المادة 27 المذكورة لم تخصص القضاة بحرف لاتيني للوحات سياراتهم أسوةً بالوزراء والنواب.

د-باقي المواد التي تعرّضت للقضاة (تخفيض مساهمة الدولة في صندوق تعاضد القضاة بنسبة 10%-المادة 72 المتعلقة بتحديد سقف المبالغ المدفوعة للقضاة لقاء خدماتهم في الإدارات العامة- المادة 82 المتعلقة بوضع حد أقصى لتعويضات وملحقات الرواتب التي يستفيد منها العاملون في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والمجالس والصناديق الخ...- المادة 83 والمادة 90 المتعلقة بتحديد الحد الأدنى لعدد سنوات الخدمة التي تتيح الحق بالتقاعد) وذلك لثبوت ان هذه المواد قد انتقصت من حقوق القضاة ولصدورها دون استطلاع رأي السلطة القضائية ولكونها من فرسان الموازنة.

في المراجعة رقم 5/2019:

       حيث أنه بتاريخ 16/8/2019 تقدّم النواب جان طالوزيان وأسعد حردان وادي دمرجيان واسطفان الدويهي وسامي الجميل وبولا يعقوبيان وفؤاد مخزومي وعبد الرحيم مراد والياس حنكش ونديم الجميل وشامل روكز بمراجعة سجلت في قلم المجلس الدستوري تحت الرقم 5/2019، طلبوا بموجبها قبول المراجعة شكلاً وتعليق مفعول القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019 ومن ثمّ ابطال المواد 23 و47 و48 و82 منه وسائر المواد التي يراها المجلس غير دستورية.

       حيث ان المستدعين أدلوا بما يلي:

1-انه يقتضي قبول المراجعة شكلاً لتوقيعها من قبل العدد الأدنى من النواب المحدد أصولاً ولتقديمها خلال مهلة الخمسة عشر يوماً من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية.

 

2-انه يقتضي ابطال بعض المواد كالآتي:

أ-المادتين 47 و82 لمخالفتهما الفقرة (ج) من مقدمة الدستور والمادة (7) من الدستور المتعلقتين بمبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية، ولمخالفتهما مبدأ عدم جواز ان يضعف المشترع الضمانات التي أقرّها بموجب قوانين سابقة دون الاستعاضة عنها بضمانات أخرى، ولمخالفتهما مبدأ ثبات التشريع والاستقرار الوظيفي، ولمخالفتهما الدستور لعلة افتقارهما الى الوضوح، ولمخالفتهما المادة 83 من الدستور المتعلقة بمبدأي شمول وشيوع الموازنة، وأخيراً لمخالفتهما المبدأ الدستوري المتعلق بعدم جواز الازدواج الضريبي على المطرح نفسه.

ب-المادتين 23 و48، تبعاً لابطال المادة 47 من القانون موضوع الطعن.

ج-سائر المواد التي يراها المجلس الدستوري غير دستورية وغير مطابقة لأصول التشريع المرتكز الى الدستور والمعاهدات والمواثيق الدولية.

بنــــــــــــاءً على مــــا تقــــدّم

أولاً: في الشــــــكل:

       حيث ان القانون المطعون فيه رقم 144 تاريخ 31/7/2019 نُشر في الجريدة الرسمية، ملحق العدد 36، تاريخ 31/7/2019،

       حيث ان المادة 19 من قانون انشاء المجلس الدستوري رقم 250 تاريخ 14/7/1993 المعدّل، تنص على انه لعشرة أعضاء من مجلس النواب على الأقل مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين، كما تنص على ان تُقدّم المراجعة الى المجلس الدستوري خلال مهلة خمسة عشر يوماً تلي نشر القانون في الجريدة الرسمية.

       حيث ان المراجعة رقم 4/2019 الموقعة من أحد عشر نائباً، سجلت لدى قلم هذا المجلس بتاريخ 14/8/2019، فتكون قد وردت خلال المهلة القانونية مستوفيةً شروطها الشكلية، الأمر الذي يقتضي معه قبولها شكلاً.

       حيث أن المراجعة رقم 5/2019، الموقعة من أحد عشر نائباً، سجلت لدى قلم هذا المجلس بتاريخ 16/8/2019،

       حيث ان مهلة الخمسة عشر يوماً من تاريخ نشر القانون رقم 144/2019 في الجريدة الرسمية في 31/7/2019، تنقضي في 15/8/2019، المصادف يوم عطلة رسمية، فتكون مهلة تقديم المراجعة قد امتدّت الى أول يوم عمل يليه، أي الى يوم 16/8/2019 وتكون المراجعة رقم 5/2019 قد وردت ضمن المهلة القانونية مستوفيةً شروطها الشكلية، الأمر الذي يقتضي معه قبولها شكلاً.

ثانياً: في ضم المراجعتين:

       حيث ان كلاً من المراجعتين رقم 4/2019 ورقم 5/2019 ترمي الى ابطال بعض المواد الواردة في القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019، اضافةً الى المواد التي يقرّر هذا المجلس ابطالها لعدم دستوريتها.

       حيث ان الطعنين  يرميان الى ابطال مواد في القانون ذاته، فإنه يقتضي ضمهما والسير بهما معاً تسهيلاً لفصلهما وتأميناً لحسن سير العدالة.

ثالثاً: في الأساس:

1-في النظر في مدى دستورية المواد المطعون فيها في كل من المراجعتين رقم 4/2019 و5/2019.

في المراجعة رقم 4/2019:

أولاً: في مدى دستورية المادة 26 من القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019.

       حيث ان المادة 26 تنص على الآتي:

"خلافاً لأي نص آخر، تلغى الإعفاءات الممنوحة لبعض الأشخاص والجهات على رسوم تسجيل وسير جميع المركبات والآليات، باستثناء الإعفاءات المعطاة للجهات التالية:

       -ذوي الاحتياجات الخاصة وفقاً للقانون الخاص بهم.

       -الدولة والمؤسسات العامة حصراً، والبلديات واتحادات البلديات.

       -الهيئات الدبلوماسية والقنصلية.

       -منظمة الأمم المتحدة والوكالات المنبثقة عنها.

       -سيارات الإسعاف والاطفاء التي تقدم كهبات للجمعيات والبلديات واتحادات البلديات.

       وذلك ضمن القواعد المنصوص عليها في القوانين التي ترعى هذه الإعفاءات."

       حيث ان المادة 20 من الدستور تنص على الآتي:

       "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة. أما شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعيّنها القانون. والقضاة مستقلون في اجراء وظيفتهم..."

       حيث يستفاد من المادة 20 المذكورة ان الدستور جعل من القضاء سلطة مستقلة في اجراء وظيفتها، فهو ليس جهازاً او سلكاً او ما شابه من تسميات او أوضاع قد تصحّ بالنسبة الى الموظفين ولكنها لا تصح أبداً بالنسبة الى القضاء. وتكريساً لمبدأ استقلال السلطة القضائية، فرض الدستور موجب صون الضمانات اللازمة ليس فقط للقضاة، بل أيضاً ومن خلالهم والأهم منهم، للمتقاضين، تمكيناً للسلطة القضائية من حسن ممارسة سلطتها الدستورية.

       حيث ان الدستور، في المادة20 ذاتها، أودع السلطة التشريعية أمانة وضع قانون، يحدد شروط وحدود الضمانة القضائية التي يدين بها القضاة والأهم منهم المتقاضون تجاه السلطة التشريعية، فيكون الدستور بذلك قد ارتقى بالضمانة القضائية الى مستوى الضمانة الأساسية، الجوهرية، ذات القيمة الدستورية garantie fondamentale à valeur constitutionnelle

       حيث ان المشترع، إعمالاً لموجب الضمانة القضائية، وضع عدة نصوص، منها المادة (11) من نظام صندوق تعاضد القضاة الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 52/83 وتعديلاته، التي تنص على ان يستفيد الصندوق والمنتسبون اليه، أي القضاة شخصياً، من الإعفاءات المكتوبة في المادة 58 المعدّلة من قانون الجمعيات التعاونية...، ومنها الاعفاء من رسوم السير ورسوم المعاينات الميكانيكية على سياراتهم.

       حيث ان المادة 26 المطعون فيها نصت على ان تلغى الإعفاءات الممنوحة لبعض الأشخاص والجهات من رسوم تسجيل وسير المركبات والآليات، دون ان تحدد أو توضح من هم هؤلاء الأشخاص والجهات، ثم استثنت بوضوح ودقة، جهات معينة بتسمياتها، من حكم الغاء الاعفاء، دون ان يشمل الاستثناء القضاة شخصياً المنتسبين الى صندوق تعاضدهم.

       حيث ان المادة 26 المطعون فيها تكون بذلك قد عادت عن ضمانة قضائية، جوهرية وأساسية، من الضمانات ذات القيمة الدستورية، متجاوزةً بالتالي الصلاحية التي منحها الدستور في مادته 20 للسلطة التشريعية في المجال موضوع البحث.

       حيث ان حظر العودة عن ضمانة أساسية ذات قيمة دستورية، او الانتقاص منها، هو من المبادئ المتعارف عليها في الفقه والاجتهاد الدستوريين، وهو المبدأ المعروف ب "L’effet cliquet" أي الإطار الذي لا يمكنه ان يدور الا في اتجاه واحد الى الأمام فقط، دون الدوران الى الخلف.

       حيث ان المادة 26 المطعون فيها، بالغائها احدى الضمانات الأساسية ذات القيمة الدستورية المكرّسة قانوناً للقضاة، تكون قد خالفت المادة 20 من الدستور، الأمر الذي يقتضي معه اعلان عدم دستوريتها جزئياً وبالتالي ابطالها جزئياً لجهة عدم ذكر القضاة شخصياً،

في عداد الجهات المستثناة من حكم الغاء الاعفاء.

ثانياً: في مدى دستورية المادة 94 من القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019.

       حيث ان المادة 94 تنص على انه "خلافاً لأي نص آخر عام او خاص، تخفض قيم منح التعليم المقررة من قبل الإدارات والمؤسسات العامة كافة والبلديات واتحادات البلديات وسائر أشخاص القانون العام تدريجياً وعن العام الدراسي 2019-2020 بنسبة 15% عن المقررة في العام الدراسي السابق، على ان لا تتدنّى عن الحدود المعتمدة في تعاونية موظفي الدولة للموجودين في الخدمة.

 يستثنى أساتذة الجامعة اللبنانية من التخفيض التدريجي.

 حيث ان صندوق تعاضد القضاة، ولئن أنشئ كمؤسسة عامة، إلا انه لا يمت بصلة الى المؤسسات العامة التي تمارس، كل واحدة منها، حيّزاً من مرفق عام، بل هو لا يعدو كونه صندوقاً تعاضدياً Caisse Mutuelle، دون ان تغيّر او تقلل من صفته هذه مساهمة الدولة في تغذية موارده، وهو يضم، ليس موظفين في إدارة عامة او مستخدمين في مؤسسة عامة، بل يضم أعضاء السلطة القضائية المستقلة والتي هي بحمى المادة 20 من الدستور.

       حيث كان يجدر بالمشترع، عند وضعه المادة 94 المطعون فيها، ان يستثني صراحة القضاة وصندوق تعاضدهم من أحكامها، وان عدم استثنائهم يؤدي الى اعتبار القضاة في عداد الموظفين والمستخدمين والمساواة في ما بينهم وبين الموظفين والمستخدمين، الأمر الذي يشكل خرقا فادحاً لمبدأ استقلال السلطة القضائية المكرس في المادة 20 من الدستور ومساواةً بين فئات لا تصح المساواة في ما بينها ضمانةً للمتقاضين.

       من نحوٍ آخر، حيث يقتضي ابطال كلمة "تدريجياً" الواردة في المادة 94 المطعون فيها، وكلمة "التدريجي" الواردة في آخر الفقرة الأخيرة من المادة 94، لمخالفتهما مبدأ سنوية الموازنة.

       حيث يقتضي ابطال المادة 94 جزئياً لجهة عدم استثنائها القضاة شخصياً وصندوق تعاضد القضاة من أحكامها وأيضا ابطال وحذف كلمتي "تدريجيا" و"التدريجي" الواردتين فيها.

ثالثاً: في مدى دستورية المادة 89 من القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019.

       حيث ان المادة 89 تنص على الآتي:

"مع مراعاة أحكام البند 3 من المادة السابعة من المرسوم الاشتراعي رقم 115 تاريخ 12/6/1959 وتعديلاته (إنشاء التفتيش المركزي)،

1-يعطى القضاة المنقولون والمنتدبون من ملاكي القضاء العدلي والمالي الى ملاكات الإدارات العامة او المؤسسات العامة، مهلة سنة تسري من تاريخ نفاذ هذا القانون، لممارسة حق الاختيار بين البقاء في الملاك الذي نقلوا اليه او العودة الى ملاك القضاء الذي كانوا منتسبين اليه.

2-في جميع الأحوال يستمر القاضي بالاستفادة حصراً من تقديمات صندوق تعاضد القضاة وفي حال اختار العودة الى ملاك القضاء الذي كان منتسباً اليه، تتم اعادته بالدرجة الأقرب الى راتبه وذلك بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح رئيس مجلس الوزراء في ما خص القضاء المالي، أو بناءً على اقتراح وزير العدل في ما خص القضاء العدلي.

3-خلافاً لأي نص آخر، يمنع اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون انتداب أو نقل أي قاضٍ من ملاك القضاء العدلي او المالي الى ملاكات الإدارات العامة والمؤسسات العامة.

4-تعدل الفقرة الثانية من المادة 16 من نظام مجلس شورى الدولة الصادر بموجب المرسوم رقم 10434 تاريخ 14/6/1975 وتعديلاته بحيث تصبح على الشكل التالي:

خلافاً لأي نص آخر، يمنع اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون انتداب او نقل أي قاضٍ من ملاك القضاء الإداري الى الإدارات العامة والمؤسسات العامة."

       حيث من الواضح ان هذه المادة، لا تمت الى الموازنة العامة ولا الى مفهومها، بصلة باستثناء ما يتعلق باستفادة القضاة المنقولين والمنتدبين من القضاء العدلي والإداري والمالي الى ملاكات الإدارات العامة او المؤسسات العامة، حصراً من تقديمات صندوق تعاضد القضاة، اذ ان هذه الاستفادة تؤثر على المالية العامة وبالتالي على تنفيذ الموازنة العامة. فالدستور ينص، في مادته 83 على انه "كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدّم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويُقترع على الموازنة بنداً بنداً"، في ما يعرّف قانون المحاسبة العمومية في مادته الخامسة، قانون الموازنة بأنه النص المتضمن اقرار السلطة التشريعية لمشروع الموازنة وبأنه يحتوي على أحكام أساسية وأحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة بتنفيذ الموازنة.

       حيث ان المادة 89 المطعون فيها تعتبر، باستثناء ما سبق، فارساً من فرسان الموازنة وبالتالي مخالفة للدستور وتحديداً مادته 83، فيقتضي اعلان عدم دستوريتها جزئياً وابطالها جزئياً لهذا السبب. والإبقاء على حق القضاة المنقولين والمنتدبين بالاستفادة حصراً من تقديمات صندوق تعاضد القضاة.

« Tout article qui n’entre pas dans le cadre de cette énumération (…les lois de finances ne peuvent contenir que des dispositions de nature financière) constitue nécessairement un « cavalier budgétaire » ou, selon les termes utilisés par le Conseil, une « disposition étrangère à l’objet des lois de finances » et peut, dès lors, être frappé d’inconstitutionnalité…Non seulement de telles dispositions peuvent être contestées par les requérants, mais le juge constitutionnel se réserve le droit de les déclarer d’office inconstitutionnelles…Cette sévérité se justifie par le double souci d’une part, d’éviter que l’on ne profite de la procédure accélérée des débats budgétaires pour y introduire des mesures à la hâte et d’autre part, de protéger l’intégrité des lois de finances. »(1)

       إضافة الى اعتبار المادة 89 المطعون فيها، باستثناء ما سبق، فارساً من فرسان الموازنة، فان هذه المادة أغفلت صيغة جوهرية formalité substantielle تكمن في موجب استطلاع رأي كل من مجلس القضاء الأعلى ومكتب مجلس شورى الدولة ومكتب مجلس ديوان المحاسبة، في مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالقضاء...

       حيث ان الصيغة الجوهرية المذكورة لا تقتصر على مجرّد استطلاع رأي الهيئات المذكورة في مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالقضاء، بل هي تكريس للضمانة القضائية المكتوبة في المادة 20 من الدستور وأيضاً لمبدأ استقلال السلطات الدستورية وتعاونها، المنصوص عليه في الفقرة (ه) من مقدمة الدستور.

       حيث ان المادة 89 المطعون فيها تكون، باستثناء ما سبق، اذاً مخالفة للدستور لهذا السبب أيضاً، فيقتضي اعلان عدم دستوريتها جزئياً وابطالها جزئياً.

رابعاً: في مدى دستورية المادة 27 من القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019.

       حيث ان المادة 27 المطعون فيها، أضافت الى قانون السير رقم 243 تاريخ 22/10/2012، المعدّل بالقانون رقم 61 تاريخ 27/10/2016، المادة 154-1 التي نصت في فقرتها ثامناً على ما يلي:

»ثامناً: تعدل الفقرة 4 من المادة 154 من قانون السير الجديد بحيث تصبح كالتالي:

»4-تستعمل الأحرف اللاتينية B-G-J- M- N-O-R-S-T-Z-Y-H-K للوحات السيارات الخصوصية العائدة لجميع المواطنين. كما يستعمل حرف P للسيلرات العمومية وحرف D للسلك الدبلوماسي وحرف C للسلك القنصلي.«

       حيث ان المادة 27 المطعون فيها نصت، من ناحية أخرى، في مستهلها، على الآتي:

       "المادة 154-1: خلافاً للفقرة 8 من المادة 154 من هذا القانون، تصنف أرقام لوحات الآليات السياحية المميزة بموجب قرار يصدر عن وزير الداخلية والبلديات، وتعتبر كل الأرقام الخارجة عن هذا التصنيف أرقاماً غير مميزة".

تفرض رسوم على مالكي لوحات الآليات ذات الأرقام المميزة من كل الرموز باستثناء الرموز AP,AG,R,J,D,C وذلك وفقاً لما يلي:..."

       حيث من نحوٍ أول، أغفلت المادة 27 المطعون فيها تخصيص القضاة بالحرف اللاتيني  كحرفي JأوRالمعتمدين، إعمالاً للضمانة القضائية المنصوص عليها في المادة 20 من الدستور والتي سبق تفصيلها.

       حيث من نحوٍ ثانٍ، يشوب هذه المادة الغموض والالتباس والتناقض، فمن جهة تنص على ان يستعمل الحرف اللاتيني J للوحات السيارات الخصوصية العائدة لجميع المواطنين ومن جهة أخرى تنص على استثناء الرمز J من الرسم السنوي المقطوع على رقم اللوحة العائدة للرمز J، الأمر الذي يفسح في المجال لتطبيق هذا النص بشكل اعتباطي، فضلاً عن صعوبات تطبيقه.(2)

       حيث ان المادة 27 المطعون فيها تكون اذاً مخالفة جزئياً للدستور لناحية عدم تخصيصها القضاة الدستوريين والعدليين والاداريين والماليين وقضاة الشرع والمذهب والقضاة الروحيين بأحد حرفي J وR خاص بسياراتهم، حسب انتمائهم الى القضاء الدستوري أو العدلي أو الإداري أو المالي من جهة والقضاء الشرعي والمذهبي والروحي من جهة أخرى، ولناحية عدم وضوحها للجهة المطعون فيها، فيقتضي ابطالها جزئياً.

خامساً: في مدى دستورية باقي المواد التي تعرضت للقضاة: (تخفيض مساهمة الدولة في صندوق تعاضد القضاة بنسبة 10%-المادة 72 المتعلقة بتحديد سقف للمبالغ المدفوعة للقضاة لقاء خدماتهم في الإدارات العامة- المادة 82 المتعلقة بوضع حد أقصى لتعويضات وملحقات الرواتب-المادة 83-المادة 90 المتعلقة بتحديد الحد الأدنى لعدد سنوات الخدمة التي تتيح الحق بالتقاعد).

أ‌-    بالنسبة لتخفيض مساهمة الدولة في صندوق تعاضد القضاة بنسبة 10%

حيث ان المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي التزم به لبنان في مقدمة الدستور، الفقرة (ب)، تنص على حق كل شخص في الضمان الاجتماعي وفي ان توفّر له الدولة بما يتفق ومواردها، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته.

حيث ان تخفيض مساهمة الدولة في صندوق تعاضد القضاة بنسبة 10%، فرضه العجز في موازنة الدولة، وهو يتفق وموارد الدولة كما قُدّرت في موازنة العام 2019، فلا يكون مخالفاً للمادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي التزم به لبنان في الفقرة (ب) من مقدمة الدستور، علماً ان هذه المساهمة هي للمساعدة في تمكين الصندوق من توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للقضاة وعائلاتهم.

ب-بالنسبة للمادة 72 المتعلقة بتحديد سقف للمبالغ المدفوعة للقضاة لقاء خدماتهم في الإدارات العامة.

حيث ان المادة 72 المطعون فيها تنص على الآتي:

"يحدد سقف مجموع المبالغ الشهرية التي تدفع للقضاة كبدلات أتعاب عن الخدمات التي يقدمونها للادارات والمؤسسات العامة كاستشارات وما شابه بحسب القوانين المرعية الإجراء بثلاثة أضعاف الحد الدنى للأجور كحد أقصى."

حيث ان المادة (15) من نظام مجلس شورى الدولة تنص على انه يمكن لأعضاء مجلس الشورى ان يشتركوا لمدة محدودة في أعمال تتفق مع مؤهلاتهم القانونية لدى الإدارات والمؤسسات العامة او البلديات. يجري التكليف بقرار من رئيس مجلس شورى الدولة.

حيث ان المادة (25) من قانون تنظيم وزارة العدل تنص على انه يجوز لوزير العدل بقرار منه بناء على اقتراح المدير العام، ان ينتدب بعض القضاة الملحقين بالإدارة المركزية للوزارة للعمل في وظائف قانونية لدى مختلف الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات وله ان يرجع عن هذا التدبير في أي وقت. يتقاضى القاضي المنتدب تعويضاً من الجهة المنتدب اليها يحدّد مقداره بقرار انتدابه.

حيث في ظل النصين آنفي الذكر، ان الاتعاب الشهرية للقاضي الإداري المكلف من رئيس مجلس شورى الدولة مؤازرة الإدارات او المؤسسات العامة او البلديات، يحدّدها المرجع الإداري طالب التكليف وليس مكتب مجلس شورى الدولة ولا حتى رئيس المجلس،

وكذلك ان الاتعاب الشهرية للقاضي الملحق بالإدارة المركزية لوزارة العدل، ادارياً كان ام عدلياً، المنتدب لمؤازرة الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات، يحددها المرجع الإداري الذي قرر الانتداب، أي وزير العدل، وليس مجلس القضاء الأعلى.

حيث ان المادة 72 المطعون فيها، ليست اذاً من النصوص الواجب استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى او مكتب مجلس شورى الدولة او مكتب مجلس ديوان المحاسبة بشأنها، كما انها ليست من النصوص التي تتعرض او تنتقص من استقلال السلطة القضائية، لا بل انها تعزّز هذه الاستقلالية عبر توحيد سقف التعويضات الشهرية للقاضي المكلف او المنتدب، من خلال تحريره من أي شكل من أشكال التبعية للمرجع الإداري طالب التكليف او الانتداب.

حيث ان المادة 72 المطعون فيها تكون بالتالي متوافقة وأحكام الدستور وغير مستوجبة الابطال.

ج- بالنسبة للمادة 82 "وضع حد أقصى لتعويضات وملحقات الرواتب التي يستفيد منها العاملون في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والمجالس والصناديق والهيئات والقطاعات والمرافق العامة."

حيث ان المادة 82 تتعلق "بفرض اقتطاع شهري على رواتب ومعاشات تقاعد العسكريين لزوم الطبابة والاستشفاء والمساعدات الاجتماعية" وهي موضوع الطعن رقم 5/2019 تاريخ 16/8/2019 والتي سوف يجري النظر بمدى دستوريتها لاحقاً،

حيث ان المقصود بالمادة المطعون فيها  هو المادة 81، ترجيحاً للمبدأ العام القائل بالاعتداد بالنص المكتوب وليس بالرقم المدلى انه عائد له، عند التعارض بينهما، وهي تنص على الآتي:

"1-خلافاً لأي نص آخر عام او خاص، لا يجوز ان يزيد مجموع التعويضات وملحقات الرواتب أياً كان نوعها او تسميتها او مصدرها المدفوعة من المال العام (لجان على اختلاف أنواعها، مكافآت، عائدات الجباة والملاحقين في المؤسسات والمرافق العامة الاستثمارية، تعويض التمثيل، تعويض الوكالة، التعويضات والمخصصات في إدارة الجمارك باستثناء الحصص من المساعي، حصص الغرامات، تعويض أعمال إضافية، رواتب إلحاق، تعويض معامل، أجور معاملات، تعويض أعمال ليلية، بدل تصحيح ومراقبة الامتحانات، بدل الانتخابات، رسوم خدمات، أشهر إضافية، منحة انتاج، حصة أرباح، توزيع أنصبة أرباح،...) خلال سنة مالية واحدة، على 75% من مجموع الرواتب الأساسية في السنة نفسها باستثناء الفنيين والمناوبين العاملين في المديرية العامة للطيران المدني وذلك لحين ملء المراكز الشاغرة في هذه المديرية.

تطبق أحكام هذه المادة على جميع العاملين في القطاعات والمرافق العامة مهما كانت صفتهم على سبيل المثال لا الحصر (الإدارات العامة بكافة اسلاكها بما فيها التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية، موظفو السلك الخارجي بعد خضوع رواتبهم للمضاعفة كما ترعاها أحكام الاغتراب مخصصات المفتين وأمناء الفتوى ورؤساء المجالس وشيخ عقل الطائفة الدرزية، المجلس الدستوري، القضاة، موظفو مجلس النواب، البلديات واتحاد البلديات، المؤسسات العامة بكافة أنواعها، المستشفيات الحكومية، الجامعة اللبنانية، المصالح المستقلة، المحاكم الشرعية والمذهبية، مجلس الانماء والاعمار ومجلس الجنوب وباقي المجالس، الهيئة العليا للإغاثة وكافة الهيئات العامة، المكتب التنفيذي للمشروع الأخضر، تلفزيون لبنان، الهيئات الناظمة، أوجيرو، جميع الصناديق، الشركات الوطنية، إدارة حصر التبغ والتنباك، اهراءات الحبوب، إدارة واستثمار مرفأ بيروت، المناطق الاقتصادية الخاصة، بورصة بيروت، المؤسسات ذات المنفعة العامة، هيئة الأسواق المالية،...) وكذلك مستخدمو المشاريع المنبثقة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والمشاريع المشتركة مع الجمعيات والهيئات الأهلية ومراكز الخدمات الإنمائية والاجتماعية والمتعاقدون بموجب عقود إجارة خدمة.

كما لا يجوز في مطلق الأحوال ان يزيد الراتب الأساسي المدفوع من المال العام للعاملين في القطاعات والمرافق العامة مهما كانت صفتهم والمذكورين سابقاً، عن 20 ضعف الحد الدنى للأجور.

 يستثنى من أحكام هذه المادة ما يتعلق بالمصرف المركزي الذي يخضع لقانون النقد والتسليف."

حيث انطلاقاً من الضمانة القضائية المقررة في المادة 20 من الدستور والمعطاة للقضاة ومن خلالهم للمستفيد النهائي منها، أي المتقاضين، واذا كان يعود للسلطتين الإجرائية والتشريعية ان تضعا حداً أو سقفاً لمجموع التعويضات وملحقات الراتب خلال سنة مالية واحدة، يبلغ 75% من مجموع الراتب الأساسي بسبب العجز في المالية العامة وبسبب التزامات لبنان ضمن دائرة مؤتمر سيدر، الا ان زجّ القضاة واخضاعهم لحكم المادة 81 المطعون فيها، وهم الذين يتولون رئاسة لجان ذات صفة قضائية في معظم الأحيان تُصدر أحكام وقرارات قضائية تدخل في صلب مهام السلطة القضائية، دون استطلاع رأي السلطة القضائية ممثلة بمجلس القضاء الأعلى ومكتب مجلس شورى الدولة ومكتب مجلس ديوان المحاسبة، يشكّل مخالفة صريحة للمادة 20 من الدستور،

كما ان ادراج عبارة "المجلس الدستوري" ضمن الجهات الإدارية المشمولة بحكم المادة 81 المطعون فيها، هو مخالف للمادة 19 من الدستور التي نصت على انشاء المجلس الدستوري، وللمادة الأولى من قانون انشاء المجلس الدستوري، وهو قانون تطبيقي للمادة 19 آنفة الذكر، التي وصفت المجلس الدستوري بأنه "هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية"، قراراته ملزمة لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية والإدارية (المادة 13 من القانون رقم 250 تاريخ 14/7/93 وتعديلاته) علماً ان أعضاء المجلس الدستوري لا يتقاضون تعويضات ولا رواتب كي تلحق بها تلك التعويضات، بل مخصصات تلحظ بموجب اعتماد سنوي مقطوع في موازنة المجلس الدستوري،

حيث يقتضي بالتالي اعلان عدم دستورية من المادة 81، المطعون فيها، جزئياً لناحية تضمينها عبارة "المجلس الدستوري، القضاة،" وعبارة "المحاكم الشرعية والمذهبية" ضمن أحكامها، وابطالها جزئيا لهذه الناحية بشطب العبارتين المذكورتين من المادة 81 آنفة الذكر.

د-بالنسبة للمادة 83 من القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019

حيث ان المادة 83 المطعون فيها تنص على تعديل الفقرة 1 من المادة 35 من المرسوم الاشتراعي رقم 112 تاريخ 12/6/1959 وتعديلاته، بحيث تصبح كما يلي:

"1-يحق للموظف بعد انقضاء سنة على تعيينه، وفي كل سنة لاحقة في الخدمة الفعلية، ان يستفيد من إجازة سنوية براتب كامل لمدة خمسة عشر يوماً. ويضاف الى هذه المدة يوم كل خمس سنوات من الخدمة الفعلية.

ويستثنى من ذلك الموظفون الذين يستفيدون من العطل القضائية والمدرسية."

حيث ان للقضاة عطلتهم القضائية المنصوص عليها في قانون القضاء العدلي ونظام مجلس شورى الدولة وقانون انشاء ديوان المحاسبة، وان معظم أحكام نظام الموظفين العام لا يُطبق عليهم،

حيث ان المادة 83 المطعون فيها لا علاقة لها بالقضاة لأن دائرة تطبيق أحكامها تقتصر على الموظفين فقط، فلا تكون قد انتقصت من حقوق القضاة ولا هي من فرسان الموازنة كونها ترتبط بانتاجية الموظف بعد استفادته من عطلته الإدارية السنوية وانعكاس هذه الإنتاجية على إيرادات الخزينة بطريقة أفضل.

حيث يقتضي بالتالي اعلان دستورية المادة 83 من القانون رقم 144/2019

ه-بالنسبة للمادة 90 من القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019.

حيث ان المادة 90 من القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019، المطعون فيها، تنص على ما يلي:

«المادة التسعون: تحديد الحد الأدنى لعدد سنوات الخدمة التي تتيح الحق بالتقاعد.

       يُحدد عدد سنوات الخدمة الفعلية التي تتيح الحق بالتقاعد على الشكل التالي:

       -بالنسبة للسلك العسكري:

       *23 عاما بدلاً من 18 عاماً للأفراد والرتباء

       *25 عاماً بدلاً من 20 عاماً للضباط

       *18 عاماً بدلاً من 15 عاماً لضباط الاختصاص

       في حال عدم إمكانية استكمال المدة القانونية لاستحقاق المعاش التقاعدي لبلوغ العسكريين السن القانونية يستحق لهم معاش تقاعدي وفقاً لسنين خدمتهم.

       يستفيد العسكريون من المادة 25 من المرسوم الاشتراعي رقم 47/83 والمعدلة بموجب المادة 26 من القانون رقم 46/2017.

       -بالنسبة للسلك الإداري:

       25 عاماً بدلاً من 20 عاماً لكافة الموظفين على ان تراعى الأحكام الخاصة بالمرأة، وأوضاع موظفي الفئة الثالثة وما فوق الذين دخلوا الوظيفة العامة في سن لا يسمح لهم بالاستمرار بالخدمة مدة 25 عاماً.

       في حال عدم إمكانية استكمال المدة القانونية لاستحقاق المعاش التقاعدي لبلوغ المعلمين والأساتذة السن القانونية من جراء دخولهم الى ملاك التعليم الرسمي، بقوانين خاصة تجاوزت شرط السن، يستحق لهم معاش تقاعدي وفقاً لسني خدمتهم.

       -بالنسبة لأساتذة الجامعة اللبنانية 15 عاماً. »

       حيث ان تحديد عدد سنوات الخدمة التي تتيح للموظفين وأيضاً للقضاة من خلال إحالة النص الخاص بهم الى النص العام الذي يرعى أوضاع الموظفين في الجهة المبحوث فيها، حق طلب احالتهم الى التقاعد، بخمسة وعشرين عاماً بدلاً من عشرين عاماً، ليس فيه أي انتقاص من حقوق القضاة ما دام ان النص المحيل الخاص بالقضاة يحيل الى النص العام المتعلق بالموظفين،

       حيث ان موضوع المادة 90 المطعون فيها، بحكم ان النص الخاص بالقضاة يحيل الى النص العام المتعلق بالموظفين كيفية تطبيق أحكام النص الخاص على القضاة، لا يكون اذاً من المواضيع التي يجب استطلاع رأي السلطة القضائية بشأنها،

       حيث ان النص المطعون فيه ليس من فرسان الموازنة لانعكاسه مباشرةً على الخزينة العامة،

       حيث يقتضي بالتالي اعلان دستورية المادة 90 من القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019.

في المراجعة رقم 5/2019.

أولاً: في مدى دستورية المادة 23 المطعون فيها.

       حيث ان المادة 23 المطعون فيها تنص على ما يلي:

       «أ-حدد معدل الضريبة بالنسبة للرواتب والأجور ومعاشات التقاعد كما يأتي:

 

-2%(اثنان بالمئة) عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي لا يتجاوز /6.000.000/ل.ل ستة ملايين ليرة لبنانية. ويخفض هذا المعدل الى النصف من أساس معاشات التقاعد وما يماثلها.

-4% (أربعة بالمئة) عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن /6.000.000/ل.ل ستة ملايين ليرة لبنانية ولا يتجاوز /15.000.000/ل.ل خمسة عشر مليون ليرة لبنانية. ويخفض هذا المعدل الى النصف من أساس معاشات التقاعد وما يماثلها.

-7% (سبعة بالمئة) عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن /15.000.000/ل.ل خمسة عشر مليون ليرة لبنانية ولا يتجاوز /30.000.000/ل.ل ثلاثين مليون ليرة لبنانية. ويخفض هذا المعدل الى النصف من أساس معاشات التقاعد وما يماثلها.

-11% (أحد عشر بالمئة) عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن /30.000.000/ل.ل ثلاثين مليون ليرة لبنانية ولا يتجاوز /60.000.000/ل.ل ستين مليون ليرة لبنانية. ويخفض هذا المعدل الى النصف من أساس معاشات التقاعد وما يماثلها.

-15% (خمسة عشر بالمئة) عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن /60.000.000/ل.ل ستين مليون ليرة ولا يتجاوز /120.000.000/ل.ل ماية وعشرون مليون ليرة لبنانية. ويخفض هذا المعدل الى النصف من أساس معاشات التقاعد وما يماثلها.

-20% (عشرون بالمئة) عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن /120.000.000/ل.ل ماية وعشرين مليون ليرة لبنانية ولا يتجاوز /225.000.000/ل.ل مايتان وخمسة وعشرون مليون ليرة لبنانية. ويخفض هذا المعدل الى النصف من أساس معاشات التقاعد وما يماثلها.

-25% (خمسة وعشرون بالمئة) عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن /225.000.000/ل.ل مايتان وخمسة وعشرون مليون ليرة. ويخفض هذا المعدل الى النصف من أساس معاشات التقاعد وما يماثلها.

       ب-يطبق هذا النص اعتباراً من 01/8/2019.»

       حيث ان المادة 47 المطعون فيها تنص على ان تُعدل المادة 47 من قانون ضريبة الدخل لتصبح كما يلي:

       «تستثنى من الضريبة:

       1-....

       4- معاشات تقاعد ورثة شهداء القوى العسكرية والأمنية والجرحى في القوى العسكرية كما حددتها أحكام المادة 85 من قانون الدفاع الوطني.

       9-تعويض الصرف من الخدمة المدفوع وفقاً للقوانين النافذة في لبنان.»

       حيث من جهة أولى، أخضعت المادة 23 معاشات التقاعد الى نصف معدلات الضريبة على الرواتب والأجور للعاملين في الخدمة الفعلية،

       حيث من جهة ثانية، نصت المادة 9 من المرسوم الاشتراعي رقم 47/83 على ان يصفى المعاش التقاعدي على أساس جزء من 40 من الراتب الشهري الأخير محسوباً وفقاً لأحكام المادة 12 جديدة من هذا المرسوم الاشتراعي، مضروباً بعدد سنوات الخدمة لغاية الأربعين سنة فقط ويضاف الى ذلك تعويض صرف يعادل راتب ثلاثة أشهر عن كل سنة خدمة بعد الأربعين، كما نصت المادة 10 من نظام التقاعد والصرف من الخدمة على انه مع مراعاة المادة 12 جديدة من هذا المرسوم الاشتراعي، يصفى تعويض الصرف على أساس راتب شهر عن كل سنة خدمة فعلية لغاية العاشرة وراتب شهرين عن كل سنة خدمة فعلية بعد العاشرة ولغاية الثلاثين وراتب ثلاثة أشهر عن كل سنة خدمة فعلية بعد الثلاثين.

       أما المادة 12جديدة من المرسوم الاشتراعي رقم 47/83، فقد نصت على انه خلافاً لأي نص آخر، ومن أجل احتساب المعاش التقاعدي أو تعويض الصرف يضرب الحاصل المبين في المادة 12 بنسبة 85%.

       حيث يقتضي معرفة سبب اقتطاع أو حسم 15% من الحاصل المبين في المادة 12 جديدة من المرسوم الاشتراعي رقم 47/83 وبالتالي سبب اعتماد 85% وليس 100 % من الحاصل المذكور من أجل احتساب كل من المعاش التقاعدي وتعويض الصرف.

       حيث ان اعتماد 85% وليس 100% من الحاصل المبين في المادة 12 المشار اليها، لاحتساب المعاش التقاعدي او تعويض الصرف لا يجد سبباً قانونياً له إلا في كون الاقتطاع او الحسم من المنبع بمعدل 15%، هو على سبيل الضريبة على المعاش التقاعدي او على تعويض الصرف، والتي تدخل ايراداً للخزينة.

       حيث ان اخضاع المادة 23 المطعون فيها معاشات التقاعد الى نصف معدلات الضريبة على رواتب وأجور العاملين الذين هم في الخدمة الفعلية، يفيد ان الوعاء او المطرح الضريبي ذاته قد جرى اخضاعه، عند تحقق الحدث المنشئ للضريبة، الى ضريبتين في آن معاً، ضريبة ال 15% المقتطعة او المحسومة من المنبع ونصف معدل الضريبة التصاعدية المنصوص عليها في المادة 23 موضوع الطعن.

       حيث انطلاقاً من مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل، المنصوص عليه في الفقرة (ج) من مقدمة الدستور، ومن مبدأ المساواة بين اللبنانيين تجاه القانون وتحملهم الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم المنصوص عليه في المادة 7 من الدستور، باستثناء التمييز الذي يستوجبه اختلاف الأوضاع الواقعية والقانونية بين بعض فئات من اللبنانيين او ذاك الذي تبرره مقتضيات المصلحة العامة،

       حيث ان إجازة الدستور اللبناني، في المواد 81 و82 و83 منه للسلطتين الإجرائية والتشريعية، فرض وجباية الضرائب العمومية، لا يعني إباحة خرق مبدأ المساواة بين اللبنانيين الذين هم في ذات الوضع الواقعي والقانوني، باخضاع فئة منهم، كفئة المتقاعدين، الذين اختاروا المعاش التقاعدي، لضريبتين اثنتين تتناولان الوعاء او المطرح الضريبي ذاته، ضريبة أولى بمعدل 15% من الحاصل المكتوب في المادة 12 جديدة من نظام التقاعد والصرف من الخدمة وضريبة ثانية تطال الحاصل ذاته بنسبة نصف معدلات الضريبة على الرواتب والأجور موضوع المادة 23 المذكورة، فتكون التعديلات التي أدخلتها المادة 23 المشار اليها على المادة 58 من قانون ضريبة الدخل، غير مؤتلفة مع أحكام الدستور.(3)

       حيث ان عبارة "وما يماثلها"، أينما وردت في التعديل الذي أدخلته المادة 23 المطعون فيها على المادة 58 من قانون ضريبة الدخل، تفتقر الى الوضوح، الأمر الذي يفسح في المجال أمام تطبيقها اعتباطياً من قبل الإدارة، فتكون العبارة المذكورة غير مؤتلفة أيضاً مع أحكام الدستور.(4)

ثانياً: في مدى دستورية المادتين 47 و48 المطعون فيهما.

       حيث ان المادة 47 المطعون فيها، أبقت في بندها (9) على تعويض الصرف من الخدمة المدفوع وفقاً للقوانين النافذة في لبنان، مستثنى من الضريبة على الدخل، الأمر الذي يشكل تناقضاً مع ما يكون المشترع قد قصده من خلال عبارة "وما يماثلها" الواردة في المادة 23 المطعون فيها، وفي جميع الأحوال أوجدت المادة 23 معطوفة على البند 9 من المادة 47 من قانون ضريبة الدخل، تمييزاً بين الذين اختاروا معاش التقاعد فيخضعون للضريبة والذين اختاروا تعويض الصرف وفقاً لقانون التقاعد والصرف من الخدمة فيستثنون من الضريبة، ويفوّتون بالتالي على الخزينة أموالاً متوجبة لصالحها، الأمر الذي يقتضي معه اعتبار التعديل الذي أدخلته المادة 23 على المادة 58 من قانون ضريبة الدخل -مع الإبقاء على البند (9) من المادة 47 من قانون ضريبة الدخل دون تعديل- غير مؤتلف مع أحكام الدستور لهذا السبب أيضاً.

       حيث ان المادة 47 عدّلت، من نحو ٍآخر، المادة 47 من قانون ضريبة الدخل لجهة إستبدالها في البند (4) منها عبارة "4-معاشات التقاعد التي تمنح لموظفي الدولة والمصالح العامة او المؤسسات العامة والخاصة وفقاً لقوانين التقاعد وأنظمته"، بعبارة "معاشات تقاعد ورثة شهداء القوى العسكرية والأمنية والجرحى في القوى العسكرية كما حددتها أحكام المادة 85 من قانون الدفاع الوطني".

       حيث ان التعديل الذي أدخله البند (4) من المادة 47 المطعون فيها لا ينسجم مع الدستور لارتباط التعديل المذكور بالمادة 23 من قانون الموازنة العامة لسنة 2019، الأمر الذي ينطبق أيضاً على التعديل الذي أدخلته، المادة 48 على المادة 56 من قانون ضريبة الدخل لجهة اضافتها عبارة "بالإضافة الى تنزيل مبلغ عشرة ملايين ليرة لبنانية من أساس المعاش التقاعدي للمتقاعدين"، فتكون هذه الأخيرة غير منسجمة بدورها مع أحكام الدستور.

حيث ان ابطال التعديلات التي أدخلتها المادة 23 والبند (4) من المادة 47 والمادة 48 من القانون موضوع الطعن، على قانون ضريبة الدخل، من شأنه ان يؤدي الى انعكاسات سلبية جداً على المدة المتبقية من موازنة العام 2019 التي يحكمها مبدأ سنوية الموازنة، وبالتالي على الانتظام المالي العام، الأمر الذي يستوجب العمل سريعاً جداً على إصلاح الخلل الوارد في المادة 23 وفي البند (4) من المادة 47 وفي المادة 48 على نحوٍ يتوافق مع الدستور خلال اعداد ومناقشة وإقرار موازنة العام 2020.

ثالثاً: في مدى دستورية المادة 82 المطعون فيها.

       حيث ان المادة 82 من القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019 تنص على ما يلي:

"يقتطع من أساس رواتب ومعاشات التقاعد الخاصة بالعسكريين بمختلف أسلاكهم نسبة 1.5% (واحد ونصف بالمائة) من الراتب او المعاش التقاعدي ويؤخذ ايراداً للخزينة بدل الاستفادة من الطبابة والاستشفاء والمساعدات الاجتماعية ويستثنى من هذا الاقتطاع المستفيدون من معاشات تقاعد شهداء الجيش والقوى الأمنية والمعوقون وذوو الإصابات الحربية منهم كما حددتها أحكام المادة 85 من قانون الدفاع الوطني".

       حيث بالاستناد الى المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي التزم لبنان به بموجب الفقرة (ب) من مقدمة الدستور، الوارد نصها آنفا، فان بموجب الدولة في تقديم الرعاية الصحية والاجتماعية الخ... هو على قدر مواردها.

       حيث ان اقتطاع نسبة 1.5% من الراتب او المعاش التقاعدي بدل الاستفادة من الطبابة والاستشفاء والمساعدات الاجتماعية مع الاستثناء الوارد في المادة 82، له سببه القانوني المشروع، أسوةً بالمساهمة التي يدفعها موظفو الدولة ومتقاعدوها الى تعاونية موظفي الدولة لقاء افادتهم من المنافع والخدمات، ومنها الطبية والاستشفائية، التي تقدمها لهم التعاونية، وأسوة ايضاً بالقضاة العاملين وفي منصب الشرف الذين يدفعون مساهمة شهرية لقاء افادتهم من صندوقهم التعاضدي.

       حيث ان المادة 82 المطعون فيها لا تمت الى الضمانات ذات القيمة الدستورية الا بقدر مراعاتها أحكام المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي انضم اليه لبنان وجعله جزءاً من مقدمة دستوره، وهي قد فعلت.

       حيث ان مبدأ ثبات التشريع والاستقرار الوظيفي ليس من المبادئ ذات القيمة الدستورية، علماً ان الموظف هو في وضع نظامي لا يكسبه أي حق بالابقاء على النظام السابق.

       حيث ان نص المادة 82 لا يخالف مبدأ شيوع الموازنة ما دام ان اقتطاع نسبة ال 1.5% يتم ايراداً للخزينة ولا يتم تخصيصه لتغطية نفقة معينة.

       حيث ان المادة 82 المطعون فيها لا تخالف بالتالي الدستور، فيقتضي اعلان دستوريتها.

خامساً: في مدى دستورية سائر مواد القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019.

       حيث ان مراجعة الطعن بدستورية القانون ليست مراجعة شخصية بل انها تتعلق بالانتظام العام الدستوري المرتبط بكل قانون يجري اقراره واصداره، فيكون من اختصاص المجلس الدستوري، حفاظاً على الانتظام العام المشار اليه، ان يضع يده عفواً على كل مخالفة لأحكام الدستور يمكن ان تكون قد شابت القانون موضوع الطعن، دون ان يكون مقيداً لا بمطالب المستدعين ولا بحرفية مطالبهم.(5)

       حيث يقتضي انطلاقاً من اجتهاد هذا المجلس، النظر تباعاً في مدى دستورية المادة 67 والفقرة الأخيرة من المادة 80 والمادة 84 من القانون رقم 144/2019.

أ-في مدى دستورية المادة 67 من القانون رقم 144/2019.

       حيث ان المادة 67 من القانون رقم 144/2019 تنص على ما يلي:

«المادة السابعة: إعفاء محكومين من تسديد الغرامات المالية.

       بصورة استثنائية، ولمرة واحدة فقط، يعفى جميع المحكومين الذين أمضوا مدة عقوبتهم ومازالوا مسجونين لعدم تسديد الغرامات المالية التي حكموا بها، من جميع الغرامات من أي نوع كانت ليصار الى إخراجهم من السجن، وتسليم المسجونين من غير اللبنانيين الى الأمن العام اللبناني لترحيلهم وفقاً للأصول.

       يستثنى من هذا الإجراء المحكومون بجرم تسهيل المخدرات.»

       حيث ان المادة 67 المذكورة تعفي جميع المحكومين، باستثناء المحكومين بجرم تسهيل المخدرات، من "الغرامات المالية التي حكموا بها".

       حيث يقتضي التفريق بين الغرامة القضائية التي تقضي بها المحاكم، سواءً أكانت عقوبة جناحية عادية (م 39-3 عقوبات) او عقوبة جناحية سياسية (م 40-3 عقوبات) او غرامة تكديريه (م 41-2 عقوبات) او استبدالاً بها من الحبس اذا أخذت المحكمة بالأسباب التخفيفية لمصلحة من حكم عليه بجنحة (م 254 عقوبات) وسواها من الحالات، وبين الغرامة الإدارية او المالية ذات الصفة الإدارية،

       حيث ان الاعفاء من العقوبات الجزائية المنصوص عليها في المادة 67 بعقوبة الغرامة المالية المحكوم بها، الوارد في قانون الموازنة العامة، يخالف بصورة صارخة مبدأ الفصل بين السلطات الدستورية وتوازنها وتعاونها كونه يشكل تدخلاً في عمل السلطة القضائية لجهة تعطيل الأحكام الصادرة عنها،

       حيث ان المادة 67 تشكل أيضاً فارساً من فرسان الموازنة بسبب ترجيح كفّة العفو العام على ارتباطها بموازنة الدولة،

       لذا، يقتضي اعلان عدم دستورية المادة 67 من القانون رقم 144 تاريخ 31/7/2019 وبالتالي ابطالها.

ب-في مدى دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 80 من القانون رقم 144/2019.

       حيث ان المادة 80، في فقراتها الثلاث الأولى، الزمت الحكومة باجراء مسح شامل للعاملين في القطاع العام وبوقف جميع حالات التوظيف والتعاقد الجديد في القطاع المذكور، باستثناء القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية وموظفي الفئة الأولى ورؤساء وأعضاء مجالس إدارة الهيئات والمؤسسات العامة وتثبيت متطوعي الدفاع المدني،

       ثم نصّت في فقرتها الأخيرة على ما يلي:

       "يحفظ حق الناجحين في المباريات والامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية بناء على قرار مجلس الوزراء وأعلنت نتائجها حسب الأصول بتعيينهم في الإدارات العامة".

       حيث ان الدستور نصّ في الفقرة (ج) من مقدمته على المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل، وفي مادته (7) على ان اللبنانيين سواء لدى القانون ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم، وفي مادته (12) على ان لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على آخر الا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون.

       حيث، من نحو أول، ان حفظ حق الناجحين في المباريات والامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية بناء على قرار مجلس الوزراء وأعلنت نتائجها حسب الأصول، بتعيينهم في الإدارات المعنية، دون تحديد مدة أو سقف زمني لحفظ حق هؤلاء، يخرق مبدأ مساواة اللبنانيين في تولي الوظائف العامة المنصوص عليه في المادة 12 من الدستور عبر قطعه الطريق أمام سائر اللبنانيين لتقديم ترشيحاتهم لتولي الوظائف المحفوظ حق الناجحين في اشغالها الى أجلٍ غير مسمى.

       حيث، من نحو ثانٍ، ان الفقرة الأخيرة من المادة 80 هي غير واضحة وغامضة، تثير الالتباس واحتمال التطبيق الاعتباطي لأحكامها لأنها لا تتضمن تحديد او حتى عناصر تحديد المباريات والامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية ولا تتضمن تعيين قرار مجلس الوزراء الذي بالاستناد اليه أجريت تلك المباريات والامتحانات، فضلاً عن عدم الإشارة الى ما إذا كانت المهلة المحددة للتعيين بعد اعلان النتائج، قد انقضت او لا تزال سارية.

       حيث من نحوٍ ثالث، اذا كان وقف التوظيف والتعاقد الجديد بجميع أشكاله، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالموازنة العامة لما في الاستمرار به من زيادة في الانفاق العام، الا ان حكم الفقرة الأخيرة من المادة 80 يشكل بصورة بديهية فارساً من فرسان الموازنة.

       حيث ان الاجتهاد الدستوري، اللبناني والفرنسي، مجمع على القول بعدم دستورية النصوص التشريعية غير الواضحة وغير المحددة التي تتيح للإدارة التطبيق الاعتباطي لهذه النصوص، وكذلك الأمر بالنسبة الى فرسان الموازنة التي لا علاقة لها البتّة، لا مباشرة ولا غير مباشرة، بالموازنة ومفهومها.

       ولكن،

       حيث ان الفقرة الأخيرة من المادة 80 على الرغم من عدم انسجامها مع الدستور، تثير موضوعاً شائكاً مرتبطاً ولو بصورة غير مباشرة بتفسير المادة 95 من الدستور،

       حيث ان رئيس الجمهورية أرسل الى المجلس النيابي طلباً يرمي الى تفسير المادة 95 من الدستور،

       حيث ان المجلس النيابي، أصبح واضعاً يده على الموضوع (حدد موعد جلسة تفسير المادة 95 في 17 تشرين الأول 2019).

       لذلك لم يقضِ المجلس الدستوري بإبطال الفقرة الأخيرة من المادة 80.  

 

(ج)-في مدى دستورية المادة 84 من القانون رقم 144/2019.

       حيث ان المادة 84 تنص على ما يلي:

«المادة الرابعة والثمانون: عدم تجاوز الجمع بين المعاش التقاعدي وأي مبلغ شهري مهما كانت تسميته مدفوع من المال العام عشرين ضعف الحد الأدنى للأجور.

"خلافاً لأي نص عام او خاص، وفي حال التكليف بمهام استشارية او التدريس في الجامعة اللبنانية او الوظائف الفنية في المديرية العامة للطيران المدني التي تحتاج لذوي الخبرة من المتقاعدين لحين ملء المراكز الشاغرة، او الوظائف التي يجيز نصها القانوني التسمية من المتقاعدين، من قبل من يستحق له معاش تقاعدي واي مخصصات، لا يجوز ان يتجاوز مجموع المبالغ المقبوضة شهرياً 20 ضعف الحد الأدنى.»

       حيث يتبين من قراءة المادة المذكورة انها مشوبةً أولاً بالتناقض بين عنوانها ومضمونها وثانياً بعدم الوضوح إن من حيث الصياغة او المضمون، الأمر الذي يفسح في المجال أمام تطبيقها من المراجع الإدارية بشكل اعتباطي واستنسابي.

       فضلاً عن ذلك،

       حيث ان غموض المادة 84 قد يؤدي الى تطبيقها على جميع متولّي السلطات الدستورية بما فيها المجلس الدستوري، كونهم او البعض منهم من فئة المتقاعدين الذين يتقاضون معاشاً تقاعدياً فيخضعون لقاعدة العشرين ضعف في حين ان الذين يقبضون تعويض الصرف لا يخضعون لهذه القاعدة، الأمر الذي يخرق مبدأ المساواة ذا القيمة الدستورية.

       حيث ان أعضاء السلطات الدستورية، ومنهم أعضاء المجلس الدستوري، ليسوا من الموظفين الذين يعرّضهم النص الغامض الى إمكانية شمولهم بأحكامه، مخالفاً بذلك الدستور الذي ارتقى بالمجلس الدستوري الى المرتبة الدستورية تبعاً لانشائه وتحديد اختصاصه بموجب نص دستوري هو المادة 19 من الدستور، ما يجعل منه سلطة دستورية أوردها الدستور في الباب الثاني منه تحت عنوان "السلطات" وفي الفصل الأول منه تحت عنوان "أحكام عامة"، في عداد السلطات الدستورية.

       حيث ان سلطة دستورية محفوظ لها اختصاصها واستقلالها وتمتع قراراتها ليس فقط بقوة القضية المحكمة بل بالصفة الإلزامية لجميع السلطات العامة والمراجع القضائية والإدارية، يستحيل المس سواءً باختصاصها او باستقلالها عن طريق جعل مخصصات أعضائها رمزية، عبر إمكانية تطبيق المادة 84 الغامضة عليهم.

       حيث لا يرد على ذلك بأن المادة 84 قد تفسّر بأنها تندرج في اطار قانون عادي لا دستوري، يأتي تطبيقاً للمادة 19 من الدستور التي تحيل الى القانون العادي أمر تحديد قواعد تنظيم المجلس الدستوري، لأن الانحدار بتحديد او إمكانية تحديد مخصصات أعضاء المجلس الدستوري الى حدّ جعلها مخصصات رمزية بالنسبة الى من يتقاضى حقوقاً تقاعدية، معاشاً تقاعدياً او تعويض صرف، من شأنه ان يُخل بالمادة 19 من الدستور وباستقلالية أعضاء المجلس الدستوري في إداء مهماتهم.

 

       حيث يقتضي تبعاً لمجمل ما تقدّم ابطال المادة 84 لمخالفتها الدستور بسبب غموضها.(6)

لـــــــــــذلـــــك

يقرر بالأكثرية:

أولاً: في الشكل: قبول المراجعتين لورودهما ضمن المهلة القانونية ولاستيفائهما جميع الشروط الشكلية المفروضة.

ثانياً: ضم المراجعتين رقم 4/2019 ورقم 5/2019 والسير بهما معاً.

ثالثاً: في الأساس:

1-اعلان عدم دستورية وبالتالي ابطال المادة 26 جزئياً لجهة عدم ذكرها القضاة في عداد الجهات المستثناة من حكم الغاء الاعفاء الوارد فيها.

2-اعلان عدم دستورية وبالتالي ابطال المادة 94 جزئياً لجهة عدم استثنائها القضاة شخصياً وصندوق تعاضد القضاة من احكامها وابطال وحذف كلمتي "تدريجياً" و "التدريجي" الواردتين فيها.

3-اعلان عدم دستورية المادة 89 وابطالها (جزئياً) والإبقاء على استفادة القضاة المنقولين والمنتدبين من القضاء العدلي والإداري والمالي الى ملاكات الإدارات العامة او المؤسسات العامة، حصراً من تقديمات صندوق تعاضد القضاة.

4-اعلان عدم دستورية المادة 27 جزئياً وابطالها جزئياً لناحية عدم تخصيصها القضاة الدستوريين والعدليين والاداريين والماليين وقضاة الشرع والمذهب والقضاة الروحيين، بأحد حرفي J أوR خاص بلوحات سياراتهم، حسب انتمائهم.

5-رد طلب ابطال تخفيض مساهمة الدولة في صندوق تعاضد القضاة بنسبة 10% ضمن دائرة موازنة العام 2019، لعدم مخالفة هذا التخفيض أحكام الدستور.

6-رد طلب ابطال المادة 72 لتوافقها وأحكام الدستور.

7-اعلان عدم دستورية المادة 81 جزئياً وبالتالي ابطالها جزئياً لناحية تضمينها عبارة «المجلس الدستوري، القضاة» وعبارة «المحاكم الشرعية والمذهبية»، ضمن أحكامها وشطب العبارتين المذكورتين.

8-اعلان دستورية المادة 83.

9-اعلان دستورية المادة 90.

10-رد الطعن الرامي الى ابطال المواد 23 و47 و48 استناداً للتعليل الوارد في متن القرار.

11-اعلان دستورية المادة 82.

12-اعلان عدم دستورية وبالتالي ابطال المادة 67 كلياً.

13-عدم التصدي لدستورية المادة 80 استناداً للتعليل الوارد أعلاه.

14-اعلان عدم دستورية وبالتالي ابطال المادة 84 كلياً.

15-ابلاغ هذا القرار من المراجع الرسمية المختصة ونشره في الجريدة الرسمية.

                                                                 قراراً  صدر في  12 / 9 /2019

الأعضـاء

 

الياس مشرقاني          فوزات فرحات              عمر حمزة              رياض أبو غيدا                 

(مخالف)                                           (مخالف)

 

عبد الله الشامي        أنطوان بريدي              الياس بو عيد              عوني رمضان

                                                    (مخالف)

 

        نائب الرئيس                                                        الرئيس

 

        أكرم بعاصيري                                                   طنوس مشلب


مخالفة

       اني اخالف القرار الذي اتخذه المجلس بالأكثرية، للأسباب التالية:

أولاً: اعتباره، نص المادة 23 من قانون الموازنة ينطوي على مخالفة دستورية.

ثانياً: اعتباره البند الرابع من المادة 47 من قانون الموازنة غير منسجم مع الدستور.

ثالثاً: اعتباره، البند، تاسعاً من المادة 47 أعلاه غير دستوري.

رابعاً: ابطاله للمادة 27 لعدم دستوريته أيضاً.

 

أولاً: في المشروعية الدستورية للمادة 23 من قانون الموازنة لجهة التعديل الذي أدخلته على المادة 58 من قانون ضريبة الدخل.

       حيث ان المادة 23، أعلاه، قد أخضعت معاشات التقاعد الى نصف معدلات الضريبة على رواتب وأجور العاملين الذين هم في الخدمة الفعلية.

       وحيث ان القرار قد اعتبر ان تلك المادة أحدثت ازدواجية ضريبية على نفس المطرح الضريبي باعتباره ان احتساب المعاش التقاعدي على أساس 85% من الراتب وليس 100%، لا يجد سبباً، له، سوى اعتبار الفارق وهو 15% ضريبة، وبالتالي فهو يشكل مع النصف، أعلاه، ازدواجياً، ضريبياً على نفس الوعاء الضريبي.

       وحيث ان فلسفة المعاش التقاعدي، أساسها، الحسومات التقاعدية، للمتقاعدين في الوقت الذي كانوا فيه، بالخدمة الفعلية. لكن لا يمكن لأحد القول ان تلك الحسومات ترتب الحق للمتقاعدين بنسبة 100% من رواتبهم، باعتبار ان المبالغ التي يقبضها المتقاعد كمعاشات قد تزيد او تقل عن تلك التي اقتطعت من رواتبه.

       ومن هنا لا يمكن التسليم بأن نسبة ال 15% هي ضريبة حتى يصح القول ان هناك ازدواجياً ضريبياً.

       وحيث انه مع الأخذ بعين الاعتبار ما تقدم فان نسبة ال 15% المقتطعة جاءت بمقتضى نظام خاص بالتقاعد ولم يدخل هذا الاجراء في اطار التشريع الضريبي.

       وحيث ان القرار قد ذهب فضلاً عن السبب أعلاه الى اعتبار ان تلك المادة تخرق مبدأ المساواة بين اللبنانيين الذين هم في ذات الوضع القانوني والواقعي.

       وحيث ان القرار لهذه الناحية لم يكن واضحاً في تحديد اللبنانيين الذين هم في نفس الوضعية القانونية والواقعية والذين خرقت المادة مبدأ المساواة بينهم.

       وحيث انه الى جانب هذا السبب وذاك، فان القرار، بوقوفه عند حد اعلان عدم دستورية المادة 23 من غير ان يرتب أي أثر على عدم الدستورية، يخالف أحكام قانون انشاء المجلس الدستوري.

       وحيث انه مع الأمور التي تم ذكرها، فاني أخالف الأكثرية، فيما ذهبت اليه.

ثانياً: في مدى اعتبار البند الرابع من المادة 47 من قانون الموازنة غير منسجم مع الدستور.

       حيث ان القرار قد أسس عدم دستورية ذلك البند على ارتباطه مع المادة 23 من قانون الموازنة.

       وحيث ان ما سبق ايراده في مخالفة القرار واعتبار المادة 23 دستورية، ينسحب على البند الرابع.

ثالثاً: في دستورية القرار حجة اعتباره البند التاسع من المادة 47 من قانون الموازنة غير دستوري.

       حيث ان ما ذهب اليه القرار قد استند الى ان البند التاسع، أعلاه، قد أحدث تمييزاً بين الذين اختاروا معاش التقاعد، فيخضعون للضريبة، والذين اختاروا، تعويض الصرف فيستثنون من الضريبة.

       وحيث ان التمييز المشار اليه، غير قائم في الحقيقة للأمور التالية:

أ-ان الفريقين المشار اليهما، لا يمكن اعتبارهما في وضعية واحدة، وليسا سواء تجاه القانون في الاستفادة المالية. فالمتقاعدون الذين اختاروا المعاش التقاعدي، يستفيدون من الزيادات التي تطرأ على الرواتب والأجور، بعكس المتقاعدين الذين اختاروا تعويض الصرف.

ب-انه اسوة بالمساهمة التي يدفعها العاملون في الدولة، جاء البند التاسع المشار اليه، أعلاه، يفرض ضريبة بمعدل النصف عن تلك المفروضة على العاملين على معاشات التقاعد.

ج-اذا كان المتقاعدون الذين اختاروا المعاش التقاعدي لا يستفيدون بنفس النسبة التي يستفيد منها، العاملون فكذلك ان الضريبة غير متساوية.

وعلى هذا الأساس فلا يمكن القول مع القرار ان البند التاسع من المادة 47 من قانون الموازنة هو غير دستوري، وبالتالي فاني أخالف الأكثرية.

رابعاً: في دستورية القرار حجة ابطاله للمادة 27 من قانون الموازنة والتي أعفت بصورة استثنائية ولمرة واحدة المحكومين الذين أمضوا مدة عقوبتهم ومازالوا مسجونين لعدم تسديدهم الذامات التي حكموا بها.

       حيث ان القرار قد استند في اعتباره المادة 27، أعلاه، غير دستورية، وتقرير ابطالها الى ان تلك المادة تطيح بالأحكام القضائية وهي في الوقت نفسه، تعتبر فارساً من فرسان الموازنة.

       وحيث ان الموازنة، هي النص الذي يحدد نفقات الدولة ودخلها في السنة القادمة،

       وحيث انه من المسلم، به، ان المساجين يكبدون الدولة نفقات باهظة من جهات الطبابة والاستشفاء والغذاء وتأمين الحراسة، وكل هذه النفقات تؤخذ بعين الاعتبار عند إقرار الموازنة، ومعها، لا يصح القول بأن هذه المادة، هي فارس من فرسان الموازنة.

       لهذه السباب، أخالف ما ذهبت اليه الأكثرية.

                                                          عضو المجلس الدستوري

 

                                                             القاضي عمر حمزة


 

أسباب المخالفة الجزئية

 

بما أنّ الفقرة الأخيرة من المادة /80/ من القانون رقم /144/ تاريخ 31/7/2017 وعنوانها " وقف التوظيف والتعاقد في الإدارات والمؤسسات العامة " قد نصّت في فقرتها الأخيرة على ما يلي:

" يحفظ حق الناجحين في المباريات والإمتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية بناءاً على قرار مجلس الوزراء وأعلنت نتائجها حسب الأصول بتعيينهم في الإدارات المعنية. "

 

وبما أن الدستور اللبناني واضح وصريح لجهة ما نصّ عليه في مقدّمته على " العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل"،  وكذلك في المادة السابعة من الدستور اللبناني التي جاء فيها حرفياً :

" كلّ اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم "

 

وبما أنّ المادة /12/ أيضاً من الدستور نصّت على حق كل لبناني في تولّي الوظائف العامة ولا ميزة لأحد على الآخر إلاّ من حيث الإستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينصّ عليها القانون.

 

وبما أنّ الفقرة المشار إليها أعلاه من قانون الموازنة العامة لجهة حفظ حق الناجحين في المباريات والإمتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية بتعيينهم في الإدارات المعنيّة من شأنه أن يخرق مبدأ مساواة اللبنانيين في تولي الوظائف العامة المكرّس في المادة /12/ من الدستور وخاصة في حال حجز واحتكار تلك الوظائف لمصلحة من حُفظت لهم إلى أجَلٍ غير مسمّى، مما يعيق تقدّم غيرهم من اللبنانيين لملء تلك الوظائف في الإدارات العامة.

 

وبما أنّه ينبغي التقيّد بمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بدون تمييز أو تفضيل وفق ما نصّت عليه المادة /7/ منه ووفق ما جاء في الفقرة /ج/ من مقدّمة الدستور التي جعلت العدالة الإجتماعية والمساواة ركنين أساسيين من أركان الجمهورية الديمقراطية البرلمانية اللبنانية، فيكون خرقهما غير مباح ولا مؤتلف مع أحكام الدستور وواجب الإبطال.

 

وبما أنّ الفقرة إيّاها من المادة /80/ من قانون الموازنة المذكورة آنفاً، يعتريها الغموض والإبهام وتفتقر إلى الوضوح ما يجعلها معرّضة للإبطال إذ أنّها تثير الإلتباس لعدم تحديدها المباريات المقصودة، وعدم تعيينها قرار مجلس الوزراء المجراة بالإستناد إليه، كما أنّها لم تعدّد الوظائف ولا الإدارات المعنيّة، ومن شأن عموميتها مفاقمة الإبهام والغموض المؤدي حتماً إلى الإبطال لعدم الدستورية.

 

وبما أنّه سبق للمجلس الدستوري اللبناني أن اعتبر أنّ عدم وضوح النصّ التشريعي أو عدم فقهه يؤديان إلى إبطاله عند تجاوزه حدّاً مفرطاً مبدداً معناه (يراجع القرار رقم 3/2002 تاريخ 15/7/2002).

 

وبما أن اجتهاد هذا المجلس إستقرّ على إعتبار أنّ الغموض في النصّ يخلق إلتباساً واستنساباً في التنفيذ (يراجع القرار رقم 5/2017 تاريخ 22/9/2017).

 

وبما أنّ وضوح التشريع هو من المبادىء ذات القيمة الدستورية سواء في إجتهاد المجلس الدستوري الفرنسي (قرار 16/12/1999 و قرار 27/7/2006) أم في اجتهاد المجلس الدستوري اللبناني المعتمد على مبدأ      " وضوح التشريع "،  بحيث أنّ عدم مراعاة المبدأ المذكور من شأنه أن يعرّض النصّ التشريعي للإبطال لعدم الدستورية.

 

وبما أنّ الفقرة المقصودة أعلاه، لم تحدّد مهلة زمنية لحفظ الحق موضوعها، ولم تبيّن كيفيّة حفظ هذا الحق ومداه، ولا آلية إجرائية لتنفيذه، الأمر الذي يفيد بديمومتها بدون أجل مما يخالف مبدأ سنويّة الموازنة إذ يتعدّى مفعول النصّ السنة المالية الواحدة، هذا في حال اعتبرنا استطراداً أنّ هكذا تشريع يصحّ إدراجه في الموازنة أصلاً. (تراجع مجموعة قرارات المجلس الدستوري، الجزء الثالث، 2015 -2019، الصفحة 100)

 

وبما أنّ وقف التوظيف والتعاقد المنصوص عليه في سائر فقرات المادة /80/ من القانون رقم 144/2019 مرتبط إرتباطاً لصيقاً بالموازنة العامة لجهة ما يحقق من وفرٍ على الخزينة وتقليصٍ في الإنفاق العام، غير أنّ الفقرة الأخيرة من تلك المادة تشكّل بلا ريب فارساً من فرسان الموازنة ولا تجد لها محلاً دستورياً سليماً من ضمن موادها على غرار ما سيأتي لاحقاً.

 

وبما أنّ الفقه والإجتهاد استقرا على تعريف فرسان الموازنة بأنها النصوص الفاقدة للعلاقة المباشرة مع الموازنة، وأنّه يفترض البحث فيها وتضمينها في قوانين مستقلّة عن قانون الموازنة.

Toute mesure étrangère  à l’objet d’une loi de finances est un cavalier budgétaire.

 

وبما أنّ كل الأحكام التي تخرج عن نطاق النصّ الدستوري تعريفاً للموازنة وتدرج في أحكام قانون الموازنة، يكون إدراجها مخالفاً للدستور بحسب تعريف الفقه الفرنسي بـأنّ فرسان الموازنة هي كل مادة خارجة عن المواد التي ينبغي أو التي يمكن أن يتضمّنها قانون مالية عامة وفقا لما ينصّ عليه القرار التنظيمي (Ordonnance) الصادر في 2/1/1959 والمتعلّق بتعريف القوانين المالية. والمواد التي يمكن أن ترد في القوانين المالية هي تلك التي لها صفة مالية أو ضرائبية لا غير.

(De Villiers, Dictionnaire de droit constitutionnel,  Armand Colin, 1998, p. 20)

 

Les cavaliers budgétaires sont fermement prohibés par l’article 42 de l’ordonnance de 1959 :

« Aucun article additionnel, aucun amendement  à un projet de loi de finances ne peut être présenté, sauf s’il tend à supprimer ou à réduire effectivement une dépense à créer ou à accroître une recette ou à assurer le contrôle des dépenses publiques »

« Autrement dit, une disposition non financière ne peut être  incluse dans le projet de loi de finances sans faire l’objet d’une censure par le conseil constitutionnel. »

كما يراجع:

(Les grandes décisions du conseil constitutionnel, Dalloz, 19ème édition, 29 décembre 1994, n 94, 351 DC, 24, III, 7, p.360 )

 

هذا ما سار عليه اجتهاد المجلس الدستوري في عدد من القرارات التي أصدرها واعتبر بموجبها أنّ كل ما هو خارج عن المواضيع المالية لا مكان له في قانون الموازنة ويقتضي اعتباره مخالفاً للدستور.

( Turpin, op. cit, p.455 et s. – Rousseau et autres op. cit, p.535 et s.)

 

وفي لبنان نطلق تعبير " فرسان الموازنة " على المواد التي يتضمنها قانون الموازنة العامة والتي لا علاقة لها بالموازنة العامة كما عرّفها قانون المحاسبة العمومية (الصادر بالمرسوم رقم /14969/ تاريخ 30/12/1963)، فبمقتضى المادة /3/ من هذا القانون؛ الموازنة هي " صكّ تشريعي تقدّر فيه نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة ويجاز بموجبها الجباية والإنفاق " ، وقد اعتبر المجلس الدستوري في قراره رقم 2/2018 تاريخ 14/5/2018 أنّ المواد الواردة في قانون الموازنة العامة لسنة 2018 والتي تتعلق بأمور تنظيمية أو إدارية لا علاقة لها بالموازنة، ينطبق عليها وصف فرسان الموازنة ويقتضي بالتالي إبطالها.

 

وبما أنّ رسالة فخامة رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي ليست مستنداً من أوراق الملف، وفي مطلق الأحوال ما فُهم من مضمونها بالتواتر، هو أنّها ترمي إلى طلب تفسير المادة /95/ من الدستور اللبناني ولا تتطرّق إلى أي مادة من مواد قانون موازنة العام 2019 المطعون فيه و لاسيما المادة /80/ منه.

 

وبما أنّه على فرض وجود صلة ما بين المادتين المذكورتين، وأياً كان التفسير الذي سيصدر بصدد المادة /95/ من الدستور، فإنّ المضمون لا ينفي كون المادة /80/ من قانون الموازنة هي من فرسان تلك الموازنة وتتجاوز سنويتها وتضرب مبدأ المساواة والعدالة الإجتماعية إلى جانب غموضها وإلتباسها.

 

لذا، فإنّ عدم التقيّد بالمعايير والإعتبارات والنصوص والمبادئ الدستورية المفصّلة أعلاه يشكّل سبباً رئيساً لإبطال الفقرة الأخيرة من المادة /80/ من القانون رقم /144/ تاريخ 31/7/2019 (قانون الموزانة العامة لسنة 2019).

 

لذلك، خالفت رأي الأكثرية جزئياً للناحية والأسباب المثارة آنفاً.

 

                                                                             الحدث في 12/9/2019

 

                                                                                   القاضي المخالف

                                                                                    الياس مشرقاني

 


 

الحدث، في 12/9/2019

مخالفة القرار رقم 23/2019

 

       يُذكّرني قانون الموازنة لعام 2019 بقول الشاعر Voltaire:

       «الدستور وُجد كي يُغتصَب لأنه لا يصرخ»

       La Constitution est faite pour être violée car elle ne crie pas.

       ولأنه مليء بفرسان الموازنة وأحصنة طروادة، فأنا أَميل الى القول بوجوب إبطاله برمته ولمخالفته قاعدة «الملاءمة الصحيّة المالية» Salubrité financière.

       لذلك أُخالف رأي الأكثرية.

                                                         قاضي المجلس الدستوري

 

                                                              الياس بو عيد