قرار رقم 1\2013



القرار رقم 1\2013

تاريخ 13\5\2013

طلب وقف العمل وابطال القانون رقم 245 الصادر في 12\4\2013:

تعليق المهل في قانون الانتخاب

المواد المسند اليها القرار

 

المواد 19، 27، 42 من الدستور

 

رقم المراجعة: 1\2013

المستدعون: النواب السادة: وليد جنبلاط، فريد مكاري، نعمه طعمه، ايلي عون، غازي العريضي، علاء الدين ترو، أكرم شهيّب، وائل ابو فاعور، هنري الحلو، أحمد كرامي، مروان حماده.

القانون المطلوب وقف العمل فيه وابطاله: القانون رقم 245 الصادر في 12\4\2013 والمنشور في العدد 16 من الجريدة الرسمية الصادر في 13\4\2013.

          إن المجلس الدستوري

الملتئم في مقره بتاريخ 13\5\2013، برئاسة رئيسه عصام سليمان وحضور نائب الرئيس طارق زياده والأعضاء: أحمد تقي الدين، انطوان مسره، انطوان خير، زغلول عطية، توفيق سوبره، سهيل عبد الصمد، صلاح مخيبر ومحمد بسّام مرتضى.

          وعملاً بالمادة 19 من الدستور،

          وبعد الاطلاع على ملف المراجعة وسائر المستندات المرفقة بها، وعلى تقرير العضو المقرر، المؤرخ في 7\5\2013.

          وبما ان السادة النواب المذكورة أسماؤهم أعلاه تقدموا بمراجعة، سجلت في قلم المجلس الدستوري بتاريخ 26\4\2013، ترمي الى وقف العمل بالقانون رقم 245 الصادر في 12\4\2012 والمنشور في العدد 16 من الجريدة الرسمية بتاريخ 13\4\2012 والقاضي بتعليق المهل في قانون الانتخاب رقم 25 تاريخ 8\10\2008، وابطاله.

          وبما ان الأسباب المدلى بها تأخذ على القانون المطلوب وقف العمل به وابطاله مخالفته المواد 42 و27 و19 من الدستور والفقرات (ب) و(ج) و(د) و(هـ) من مقدمة الدستور.

          وبما أن الأسباب المدلى بها تعيب على القانون، المطلوب وقف العمل به وابطاله، أنه انطوى، ان لم يكن بصورة صريحة فأقله ضمنياً، على تعليق المهلة التي حددتها المادة 42 من الدستور لإجراء الانتخابات، وبأنه ينطوي صراحة وإلا ضمناً، على خرق لمنطوق ومفهوم الوكالة التي أعطاها الناخب الى النواب الحاليين، استناداً لأحكام الدستور، ما سيؤدي الى التمديد للمجلس الحالي خلافاً لأحكام الدستور، وانتهاك حق المواطن الدستوري في أن يكون ناخباً ومنتخباً، ويتعارض مع ما نصّت عليه الفقرة (ج) من مقدمة الدستور التي جاء فيها ان "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة... والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين". ويتعارض أيضاً مع الفقرة (د) من مقدمة الدستور التي نصت على ان "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الديمقراطية"، ويتعارض مع ما أكد عليه المجلس الدستوري في قراراته لجهة دورية الانتخابات مستنداً الى المادة 25 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية.

          كما ان الأسباب المدلى بها، لإبطال القانون المطعون بدستوريته، إلغاء المادة 50 من القانون رقم 25\2008 المتعلقة بالفوز بالتزكية، وقد اعتبر مقدمو الطعن، ان هذا الإلغاء هو إلغاء لمبدأ التزكية، الذي هو من القواعد الأساس للنظم الديمقراطية البرلمانية، وبالتأكيد لكل عملية انتخابية تتم في هذه النظم وبمعرضها، الأمر الذي يؤلف مخالفة واضحة وصريحة لأحكام الفقرة (ج) من مقدمة الدستور التي تنص على ان لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، كما ان الإلغاء المذكور يخالف أحكام الفقرة (ب) من تلك المقدمة لجهة التزام لبنان بمواثيق منظمة الأمم المتحدة وأيضاً بالإعلان العالي لحقوق الانسان، والتي تعتمد جميعها مبدأ التزكية في العمليات الانتخابية.

          كما ان الأسباب المدلى بها تأخذ على إلغاء المادة 50 من القانون رقم 25\2008، انه يشكل مساساً بالحقوق المدنية والسياسية الممنوحة لكل لبناني بموجب المادة السابعة من الدستور، لأن الالغاء بشكل مطلق ينطوي على مساس بما يعود للمرشح، وهو مواطن لبناني، والمعتمد بمواثيق منظمة الأمم المتحدة وباعلان العالمي لحقوق الانسان، والمؤكّد بالقانون رقم 25\2008. والمساس بالحقوق المدنية والسياسية يتضاعف فداحة وجسامة، لأنه يتناول ترشيحاً تقدم به لبنانيون خلال نفاذ القانون رقم 25\2008، وفي ضوء مبدأ التزكية الذي ينص عليه هذا الأخير، بحيث تكون الحقوق المدنية والسياسية، لاسيما لجهة التزكية، مكتسبة لهؤلاء ولا يجوز حرمانهم منها، ولاسيما أن القانون المطعون بدستوريته لم يعط مفعولاً رجعياً، مع التأكيد على عدم دستوريته.

          كما ان الأسباب المدلى بها تأخذ على القانون المطعون بدستوريته عدم توافر الأسباب الموجبة لإقراره، أو على الأقل عدم ايداعها معه، مما يحول دون اطلاع السلطات والجهات التي حددتها المادة 19 من الدستور على تلك الأسباب الموجبة، الأمر الذي ينطوي ليس فحسب على مخالفة لما تفترضه تلك المادة بل أيضاً على مساس بما يوليه النظام الديمقراطي البرلماني من حقوق للسلطات التي يقوم عليها، وأيضاً بما تحمله تلك السلطات من موجبات، لاسيما في ضوء القواعد العامة الواجب والمفروض التقيد بها وبخاصة الفصل والتوازن والتعاون بين تلك السلطات، وذلك بما يمكنها من الاضطلاع بمهامها ومسؤولياتها الدستورية. وكان على الأسباب الموجبة أن تبين أسباب التناقض، في القانون المطعون بدستوريته، بين تعليق محدد زمنياً للمهل وبين إلغاء عام ومطلق ونهائي لأحد مواده، مع الإشارة الى ان تسميته اقتصرت على تعليق المهل دون ثمة إشارة الى الغاء المادة 50 منه.

          ويدلي الذين تقدموا بمراجعة الطعن بأن الاخلال المشكو منه، يتعزز ويتأيد عبر عدم ربط التعليق الظرفي المحدد زمنياً لجميع المهل، التي نص عليها القانون رقم 25\2008 بثمة ظروف خاصة تكون أملت اقرار القانون المطعون بدستوريته، وينبغي ان يكون لها طابع استثنائي فرض هذا التعليق الظرفي والمؤقت، مع الاشارة الى أنه لم يرد في القانون المطعون بدستوريته، ما يفيد عن ان إقراره هو بصورة استثنائية وتبعاً لتلك الظروف. فإن خلو القانون المطعون فيه من أسبابه الموجبة التي تشكل جزءاً من أي قانون، وسبباً لإقراره، يؤكد عدم وجود أي سبب أو ظرف استثنائي يبرر تعليق المهل، كما انه لا توجد أي مصلحة وطنية عليا تبرر تعليق المهل لقانون الانتخاب، بل يمكن الجزم ان المصلحة الوطنية العليا تستوجب إبطال هذا القانون، لأنه سيشكل، في حال استمرار العمل به، إخلالاً بمصلحة الوطن وخرقاً للمبادئ الدستورية، وتعطيل الحياة البرلمانية. فالقانون المطعون بدستوريته يأتي في اتجاه تعليق العمل بقانون الانتخاب، وصولاً الى التمديد أو ايقاع البلاد في فراغ دستوري، الأمر الذي يشكل مخالفة لأحكام ومبادئ الدستور ويستلزم ابطال القانون المطعون بدستوريته، وبخاصة أنه عطل عمل السلطة الاجرائية المتمثلة بمجلس الوزراء، وشكل تدخلاً في عملها، وشل هذا العمل.

          وبما ان المجلس كان قد تدارس طلب وقف العمل بالقانون المطعون فيه، المبيّن في المراجعة، وذلك في جلسته المنعقدة بتاريخ 29\4\2013، ولم يرَ سبباً للإستجابة الى هذا الطلب،

وبناءً على ما تقدّم

أولاً - في الشكل:

          بما ان المراجعة المقدمة من أحد عشر نائباً جاءت ضمن المهلة المحددة في الفقرة الأخيرة من المادة 19 من القانون رقم 250\1993، مستوفية جميع الشروط الشكلية، فهي مقبولة شكلاً.

ثانياً - في الأساس:

1- في مخالفة المادة 42 من الدستور.

          بما ان المادة 42 من الدستور نصت على اجراء الانتخابات العامة لتجديد هيئة المجلس في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة النيابة،

          وبما ان ولاية المجلس محددة بأربع سنوات، تنتهي في 20 حزيران 2013،

          وبما ان موعد اجراء الانتخابات العامة حدد في 16 حزيران 2013، أي ضمن الستين يوماً السابقة لانتهاء ولاية هيئة مجلس النواب،

          وبما ان القانون المطعون في دستوريته لم يؤجل موعد الانتخابات المحدد في 16 حزيران 2013، إنما أكد عليه اذ جاء فيه ما يلي: "يقفل باب الترشيح قبل الموعد المحدد للانتخابات بثلاثة أسابيع". وجاء فيه أيضاً:

          «تختصر المهلة المنصوص عليها في المادة 52 من القانون رقم 25\2008 الى أسبوعين قبل الموعد المحدد للانتخابات»، وهذا الموعد محدد بمرسوم دعوة الهيئة الناخبة في 16 حزيران 2013، ولم يؤجله القانون موضوع الطعن،

          وبما أن مفهوم المهلة، الواردة في القانون المطعون بدستوريته، يختلف عن مفهوم ولاية مجلس النواب،

          وبما أن المهلة هي المدة الزمنية المحددة للقيام بإجراء ما، بينما الولاية هي المدة الزمنية المحددة لممارسة سلطة أو وظيفة خلالها،

          وبما أن ولاية مجلس النواب حددها القانون رقم 25\2008 بأربع سنوات، ولم يعدلها القانون المطعون بدستوريته،

          وبما أن تعليق المهل بالقانون موضوع الطعن لا يحول دون اجراء الانتخابات في الموعد المحدد في 16 حزيران 2013، ولا يؤدي بالتالي الى حرمان المواطن المستوفي شروط الترشيح من حقه الدستوري في ان يكون ناخباً ومنتخباً،

          وبما أنه لا يجوز الحكم على النوايا والإدعاء بأن قانون تعليق المهل هو نتاج الرغبة بارجاء الانتخابات،

          وبما ان إرجاء الانتخابات يتطلب قانوناً يمدد ولاية هيئة مجلس النواب، ولم يتناول القانون المطعون فيه هذه القضية،

          لذلك لا يتعارض القانون المطعون فيه مع ما نصّت عليه المادة 42 من الدستور.

1-   في مخالفة المادة 27 من الدستور.

          بما أن المادة 27 من الدستور نصت على ان «عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه،»

          وبما أن نص المادة 27 من الدستور يحدد طبيعة التمثيل النيابي وطبيعة الوكالة النيابية ومفهومها،

          وبما أن القانون المطعون بدستوريته لم يتناول، لا من قريب ولا من بعيد، طبيعة التمثيل النيابي في النظام الدستوري اللبناني، كما لم يتناول طبيعة الوكالة النيابية المعمول بها في لبنان ومفهومها،

          لذلك لا يتعارض القانون المطعون فيه مع ما نصّت عليه المادة 27 من الدستور.

3- في مخالفة المادة 19 من الدستور.

          بما ان المادة 19 من الدستور نصت على انشاء المجلس الدستوري وتحديد صلاحياته، والجهات التي لها صلاحية مراجعته،

          وبما انه ولو كانت معرفة الأسباب الموجبة لقانون ما، تنير المشترع عند التصويت عليه، ولها أهميتها في عملية التشريع، غير ان غيابها لا يشكل سبباً يحول دون ممارسة من أناطت بهم المادة 19 من الدستور، صلاحيتهم في مراجعة المجلس الدستوري بشأن دستورية قانون، والدليل على ذلك مراجعة الطعن الحالي،

          لذلك لا يتعارض القانون المطعون فيه مع ما نصت عليه المادة 19 من الدستور.

4- في مخالفة الفقرات (ب) و(ج) و(د) من مقدمة الدستور والمساس بالحقوق المدنية والسياسية.

          بما ان الفقرة (ب) من مقدمة الدستور نصت على ان لبنان "عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الانسان. وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء"،

          وبما ان الفقرة (ج) من المقدمة نفسها نصت على ان "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل"،

          وبما أن الفقرة (د) من مقدمة الدستور نصت على ان " الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية"،

          وبما أن مقدمة الدستور جزء لا يتجزأ منه،

          وبما أن الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والمواثيق الدولية وبخاصة الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، نصت على أن إرادة الشعب هي مصدر السلطة، ويعبّر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري، وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت، وان لكل مواطن الحق بأن يَنتخب ويُنتخب في انتخابات تجري دورياً،

          وبما ان الانتخابات الحرة والنزيهة هي الوسيلة الوحيدة لانبثاق السلطة من الشعب، وهي أساس الديمقراطية البرلمانية،

          وبما أن التنافس في الانتخابات هو القاعدة كونه يفسح في المجال أمام الناخبين لتحديد خياراتهم والتعبير عن ارادتهم بالاقتراع لمن يمثلهم في مجلس النواب،

          وبما أن مبدأ التنافس في الانتخابات هو الأساس والقاعدة في الأنظمة الديمقراطية وهو مبدأ ذو قيمة دستورية،

          وبما ان التزكية هي الإستثناء، ولا نص عليها في الدستور، ولم يرفعها الإجتهاد الدستوري المقارن الى مرتبة المبدأ ذي القيمة الدستورية، ولا يرى المجلس الدستوري انها ترقى الى هذه المرتبة،

          وبما أنه لم يأتِ في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وفي المواثيق الدولية أن التزكية مبدأ في العمليات الانتخابية كما ورد في مراجعة الطعن،

          وبما أن مبدأ المنافسة الديمقراطية يفرض فوز النائب بثقة الناخبين وأصواتهم لا بالإستناد فقط الى مادة في القانون،

          وبما انه يعود للمشترع صلاحية إلغاء القانون أو تعديله أو تعليق بعضٍ من أحكامه، في ضوء المعطيات الموضوعية، شرط ان لا يتعارض ذلك مع الدستور ومع المبادئ ذات القيمة الدستورية،

          وبما أن التزكية هي قرينة على وجود إجماع على مرشح ينبغي ان يتوافر واقعياً،

          وبما أن إلغاء التزكية لا يؤدي الى حرمان المرشح من حقوقه المدنية والسياسية التي ضمنها الدستور والاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية،

          وبما أن إلغاء التزكية لا يحرم المرشح من إمكانية الفوز في الانتخابات عند اجرائها ضمن المهلة المحددة بالدستور،

          لذلك لا يصح القول بأن الغاء المادة 50 من القانون المطعون فيه يشكل خروجاً على أحكام الدستور.

لهذه الأسباب

وبعـد المـداولة

يقرر المجلس الدستوري بالأكثرية:

أولاً – في الشكل:

قبول المراجعة الواردة في المهلة القانونية، مستوفية جميع الشروط الشكلية المطلوبة قانوناً.

ثانياً – في الأساس:

رد طلب إبطال القانون رقم 245 الصادر في 12\4\2013 والمنشور في العدد 16 من الجريدة الرسمية الصادر في 13\4\2013.

ثالثاً: إبلاغ هذا القرار الى المراجع الرسمية المختصة ونشره في الجريدة الرسمية.

قراراً صدر في 13\5\2013.

 

 مخالفة

انطوان مسرّه - عضو المجلس الدستوري

          استنادًا الى المادة 12 من القانون رقم 250 تاريخ 14\7\1993 المتعلق بالمجلس الدستوري:

            "... يسجل العضو او الاعضاء المخالفون مخالفتهم في ذيل القرار ويوقعون عليها وتعتبر جزءًا لا يتجزأ منه وتنشر وتبلغ معه"،

          وكذلك المادة 36 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري بموجب القانون رقم 243 تاريخ 7\8\2000،

          اسجل المخالفة التالية:

          1. في طبيعة المهل الدستورية

          بما ان التأكيد في كل الدساتير وفي مقدمة الدستور اللبناني (البند 5) على ان "الشعب مصدر السلطات" معناه ان شرعية الحكام موقتة وهي مشروطة ومحدودة زمنيًا ضمن المهل الواردة في الدستور والتشريع الانتخابي ومن خلال الاحتكام الدوري الى سيادة الشعب صاحب الشرعية الاصيل.

          وبما انه جاء في المادة 42 من الدستور: "تجري الانتخابات العامة لتجديد هيئة المجلس في خلال الستين يومًا السابقة لانتهاء مدة النيابة".

          وبما انه جاء في مقدمة الدستور الفقرة (د): "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية".

          وبما ان قانون الانتخاب الساري المفعول رقم 25\2008 ينص على ما يلي: "تجري الانتخابات النيابية في يوم واحد لجميع الدوائر الانتخابية وذلك خلال الستين يومًا التي تسبق انتهاء ولاية مجلس النواب".

          وبما ان حق المواطنين في الترشح وخوض الانتخابات هو مطلق وفي الفترة الزمنية المحددة في الدستور وفي سبيل العودة دوريًا الى مصدر الشرعية.

          وبما ان دورية الانتخابات ومواعيد الاستحقاقات الدستورية هي اهم من قانونها الموعود ومن اي وعود باتفاق قوى سياسية على قانون انتخاب جديد.

          وبما ان الشعب هو جوهر البناء السياسي والنواب هم وكلاء عن الشعب في وكالة محددة زمنيًا.

          وبما ان حق المواطن في ان يكون ناخبًا ومنتخبًا هو من الحقوق الدستورية ويتولد منه التقيد بالمهل في ممارسة الناخبين حقهم في الترشح والاقتراع ووجوب دعوة الناخبين لممارسة حقهم بصورة دورية منتظمة.

          وبما انه لا يعود للنواب التصرف في هذا الحق الاصيل.

          وبما ان السلطة الاجرائية باشرت باتخاذ الاجراءات تقيدًا بالمهل الدستورية ومنها المرسوم رقم 10 تاريخ 6\4\2013 المتعلق بدعوة الهيئات الانتخابية مع تحديد يوم الاحد 16\6\2013 موعدًا لاجراء الانتخابات النيابية العامة للعام 2013 واصدرت التعميم رقم 10 تاريخ 8\3\2013 المتعلق بتقديم تصاريح الترشيح للانتخابات النيابية العامة للعام 2013.

          وبما انه لا ذكر في الاسباب الموجبة للقانون المطعون فيه لظروف استثنائية، بل مجرد "عقبة" استكمال تطبيق احكام قانون الانتخابات النيابية رقم 25 تاريخ 8\10\2008 حيث تكمن هذه "العقبة"، كما يتضح من الاسباب الموجبة، في تقاعس في ممارسة صلاحيات تشريعية واجرائية.

          وبما ان تعبير "استحالة قانونية ومادية"، الوارد في الاسباب الموجبة، لا يشكل استحالة بمعنى الوضع الاستثنائي او الظروف الوضعية القاهرة.

          وبما ان التوصيف الفعلي لعبارة "استحالة" هو، كما جاء في الاسباب الموجبة، مجرد "رغبة"، اذ ورد في الاسباب الموجبة: "ولما كانت اغلب القوى السياسية والحزبية والروحية ترغب بقانون انتخابي جديد".

          وبما ان هذه "الرغبة بقانون انتخابي جديد"، والتي هي ديمقراطية ومشروعة، لا تبرر التصرف بالمهل الدستورية، بخاصة في فترة ختامية من ولاية مجلس نيابي.

          وبما ان السلطة التشريعية في القانون المطعون فيه تمارس وظيفة تشريعية في التنفيذ pouvoir législatif d’exécution وصلاحية اولية compétence initiale بسبب النقص في التدابير الاجرائية لتنظيم الانتخابات pouvoir législatif initial et inconditionné et pouvoir législatif d’exécution

(Mélanges Burdeau, LGDJ, 1977, pp. 169, 481, 487)

تداركًا من السلطة التشريعية في حصول فراغ فيندرج بالتالي القانون المطعون فيه في مجال التثبيت التشريعي validation législative، ولكنه لا يجوز اعتبار القانون المطعون فيه سابقة حرصًا على واجب التشريع في اوقاته المناسبة ودورية الانتخابات وانتظام مهلها.

          وبما ان الفصل بين السياسة والقانون يحوّل السياسة الى شريعة غاب في حين ان وظيفة القانون ضبط العمل السياسي في اطار قواعد هي بطبيعتها قانون سياسي:

Jean-Jacques Rousseau, Du contrat social ou Principes du droit politique (1762).

Eugène Pierre, Traité de droit politique, électoral et parlementaire (1878 et rééd. 1984, 2 vol.).

          بما انه مخالف للدستور ولمبادئ الشرعية المس بمهل دستورية الا لمبررات استثنائية قاهرة وغير مرتبطة بتقاعس اي من السلطتين التشريعية او الاجرائية.

          لكل هذه الاسباب فان القانون المطعون فيه مخالف للدستور.

2. في الاسباب الموجبة

          بما ان صفة الاستثناء غير متوافرة لا في نص القانون المطعون فيه ولا في اسبابه الموجبة من خلال وجود اوضاع يسبغ عليها الاجتهاد الاداري والدستوري صفة الاستثناء ومصالح البلاد العليا، بل يظهر جليًا من الاسباب الموجبة ان السبب يعود الى قوى سياسية راغبة في قانون جديد وعجزت عن اقراره وقد امهلت واهملت في هذا السياق ضمن الحدود الزمنية الدستورية.

          وبما ان الوفاق بين قوى سياسية ليس ذريعة لخرق مبادئ دستورية خلافًا لقواعد ناظمة للشرعية وللحياة العامة.

          وبما انه من وظائف القوى السياسية في السلطتين التشريعية والاجرائية الائتمان على الوفاق وتحقيقه وتحمل كامل مسؤولياته في الحياة العامة وفي شأن انتخابي غير مُستجد وفي اطار خبرة لبنانية متنوعة ومتراكمة منذ حوالي قرن في الانتخابات وليس القاء مسؤولية الوفاق على قوى سياسية خارج المؤسسات.

          وبما ان الوفاق هو مسؤولية ممثلي الشعب والقاء تبعته الى خارج المؤسسات وخارج ممثلي الشعب قد يهدد احتواء النزاعات سلميًا من خلال المؤسسات وقد يهدد في حالات قصوى الاستقرار ويؤدي الى تعطيل المؤسسات الشرعية ودورها.

          وبما ان مبدأ سمو الدستور لا ينحصر في كون الدستور قمة الهرم القانوني، بل هو المرجعية الوفاقية العليا التي تعلو على كل المواقف السياسية.

          وبما ان القواعد الدستورية هي الوفاق.

          وبما ان القانون المطعون فيه لا يشكل عملاً تشريعيًا انتخابيًا متكاملاً، وليس عملاً رقابيًا على السلطة الاجرائية المولجة بتنظيم الانتخابات، بل هو تعطيل، وان كان موقتًا، لاستحقاق انتخابي حيث من خلال القانون المطعون فيه يحصل وفاق على تعطيل موقت وليس على انتظام المؤسسات.

          وبما ان مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها لا يجيز ممارسة السلطة التشريعية سيادة مطلقة على مهل دستورية.

          وبما ان تعليق مهل دستورية في فترة ختامية من ولاية مجلس نيابي وقرب استحقاق انتخابي، وان كان له مبرراته اجرائيًا، فقد يكون له تداعيات على الوكالة الزمنية الحصرية لوكالة مجلس نيابي وعلى تنظيم انتخابات في مهلها الدستورية.

          وبما ان السبب الموصوف بالموجب، في الاسباب الموجبة للقانون المطعون فيه، يظهر تقاعسًا في ممارسة صلاحيات تشريعية واجرائية في إطار منظومة فصل السلطات وتعاونها وفي ظروف غير استثنائية وليست مبررًا لتعليق مهل دستورية.

          وبما ان تعليق جميع المهل الواردة في قانون الانتخابات النيابية رقم 25 تاريخ 8\10\2008 وذلك لغاية 19 ايار 2013 هو تعليق العمل في تطبيق القانون، في حين ان القوانين توضع لتطبيقها وليس لتعليق مفاعيلها لاسباب مرتبطة بممارسة القيمّين على الحكم "ولرغبة" قوى سياسية تسعى في مرحلة ختام ولاية مجلس نيابي الى صياغة قانون انتخابي وهذا ما عبّر عنه بعض النواب في محضر الجلسة النيابية في 10\4\2013.

          وبما أن المهل التي هي في جوهرها منظومة ترابط بين القانون والزمن لا تُعلق الا لفتحها.

          وبما ان القانون المطعون فيه، وان كان حصريًا في بعده الزمني، لا ينص في متنه على تواريخ واضحة في اعادة فتح المهل:

          "الزمن والقانون"، المجلس الدستوري، الكتاب السنوي 2009-2010، المجلد 4، ص 445-469.

          وبما ان تعليق المهل الانتخابية لمدة محددة ولاسباب اجرائية، ولكن بدون ضمانة في اسبابه الموجبة في اعتماد صريح ومعلن للقانون الانتخابي الساري المفعول او لقانون آخر، قد يكون له تداعيات على الممارسة الديمقراطية ومبادئ الشرعية.

          وبما انه لا يجوز لممثلي الشعب الاستفادة من اي تدبير قد يكون له تداعيات على الوكالة الزمنية الحصرية لمجلس نيابي بسبب تقاعس عن القيام بموجب تشريعي والاعتداد باعطاء "فرصة للقوى السياسية للتوصل لقانون جديد"، كما ورد في الاسباب الموجبة، في حين انهم هم ممثلو الشعب وليست وكالتهم النيابية وكالة إمرة mandat impératif تجاه قوى سياسية او حزبية او طائفية او غيرها مع الاشارة الى ان وكالة الامرة محظورة في الفقه والاجتهاد البرلماني والدستوري.

          وبما ان الاسباب الموجبة في القانون المطعون فيه كانت موضع نقد خلال المناقشة النيابية للقانون المطعون فيه في جلسة 10\4\2013 ثم تمت الموافقة على القانون بدون اسباب موجبة، ما يعني ان القانون المطعون فيه يعتمد على مجمل اوضاع ادارية متعلقة بقوى سياسية وممارسة وليس على شرعية دستورية.

          لكل هذه الاسباب فان القانون المطعون فيه مخالف للدستور.

3. في الغاء المادة 50 من القانون رقم 25 تاريخ 8\10\2008 وشروط التزكية

          بما ان القانون المطعون فيه يلغي المادة 50 حول الفوز بالتزكية.

          وبما ان هذا الالغاء مخالف للمبادئ العامة في الترشح وشروط الفوز.

          وبما ان القانون المطعون فيه لم يكتف بتعليق تطبيق المادة المتعلقة بالفوز بالتزكية، لاسباب مبررة بسبب عدم اكتمال عناصر الحملة الانتخابية في لبنان في زمن محدد، بل عمد الى إلغاء المادة 50 بشكل عام.

          وبما انه في بعض البلدان وبسبب طبيعة انظمتها الانتخابية وبنية احزابها، في فرنسا على سبيل المثال، لا يرد في التشريع مصطلح الفوز بالتزكية élection d’office، بينما من منظور مقارن اوسع يندرج الفوز بالتزكية، او ما يسمى في سويسرا élection tacite، في اطار "القانون المتعلق بممارسة الحقوق السياسية"، ما يعني انه من الحقوق الاساسية في منظومة ممارسة الحقوق السياسية في سياق انتخابات عامة مكتملة العناصر:

Loi sur l’exercice des droits politiques à Genève (LEDP) du 15 octobre 1982, entrée en vigueur le 1er juillet 1983 :

Art. 164 - Sièges non pourvus lors d’élections générales

« 1. Si une liste obtient plus de sièges qu’elle n’a présenté de candidats, les signataires de celle-ci sont seuls admis à déposer une nouvelle liste. Celle-ci doit comprendre un nombre de candidats égal à celui des sièges restant à pourvoir et être approuvée par la majorité des signataires de la liste initiale.

    «Election tacite

« 2. Les candidats sont déclarés élus sans scrutin.

     « Election complémentaire

« 3. Si les signataires de la liste initiale ne font pas usage de leur droit de dépôt, ils perdent leur droit prioritaire et un scrutin a lieu selon la procédure qui règle les élections générales.

« 4. Le délai de dépôt des candidatures est fixé par le règlement. »

وكذلك في القانون البلجيكي حيث تستعمل عبارات مختلفة ولكن مع ذات المدلول:

La loi électorale communale belge du 4 août 1932 et ses amendements.

« Art. 28 – Lorsque le nombre des candidats effectifs régulièrement présentés conformément à l’art. 23 ne dépasse pas celui des mandats à conférer, ces candidats sont proclamés élus par le bureau principal sans autre formalité. »

          وبما ان الغاء التزكية من التشريع الانتخابي، وليس حصرًا في اطار صعوبات مرحلية يسعى المشرع ظرفيًا الى معالجتها، يمس بقواعد اساسية في الترشح والنجاح وفي الوضع اللبناني بشكل خاص حيث قد تحصل حصرًا تحالفات في مقاعد مخصصة لطائفة بشكل قد يترشح مرشح واحد يحظى بثقة واسعة او شبه اجماع وبدون ترشح منافس.

          وبما ان التزكية تفترض حملة انتخابية معلنة في المجال العام ومفتوحة لمرشحين هم على علم بالحملة وتنافس محتمل وممكن وليس مجرد تسجيل ترشيح وتقيد بالاصول الشكلية للانتخابات بل ايضًا بمختلف القواعد التي تضمن نزاهتها.

          وبما ان اعتبار المادة 50 سارية المفعول لا يؤدي بالضرورة الى اعتبار المرشحين الذي تقدموا بترشيحاتهم فائزين بالتزكية الا في حال حصول حملة انتخابية معلنة ومفتوحة في المجال العام ومستكملة شروطها كافة.

          وبما ان المرشح يفوز بالتزكية في اطار منافسة معلنة ومفتوحة ومستوفية شروطها التنظيمية والحقوقية كافة والا قد تتحول الانتخابات الى منظومة المرشح الوحيد كما في انظمة توتاليتارية:

“Candidature unique’ in Pascal Perrineau et Dominique Reynié (dir.), Dictionnaire du vote, Paris, PUF, 2001, 998 p., pp. 148-150.

          وبما ان لا مفاعيل للتزكية في حال فتح باب الترشيح او تعليق المهل اذا كانت العملية الانتخابية غير مستوفية لشروطها التنظيمية كافة.

          وبما ان عدم اكتمال عناصر الحملة الانتخابية وحالة التردد التي سادت على المستويين التشريعي والاجرائي حول الاستحقاق الانتخابي قد تحملان مرشحين محتملين على التريث في اتخاذ قرارهم بالترشح بانتظار اكتمال كامل عناصر الحملة الانتخابية.

          وبما ان التزكية تعني لغويًا ان تكون المسألة "مملوءة" او "الصفوة" (لسان العرب، جزء 3، ص 44-46) وينطبق ذلك على التزكية في السياق الانتخابي.

          وبما ان الحق بتسجيل الترشح في الانتخابات، حسب آليات ادارية وحقوقية، لا يستتبعه بالضرورة فوز بالتزكية الا ضمن شروط ادارية وحقوقية مرتبطة بالحملة الانتخابية وبالاعلان الرسمي لنتائجها.

          وبما ان ختام مهلة الترشح يهدف الى تحديد عدد المرشحين واسمائهم والمباشرة بالاجراءات الانتخابية اللاحقة وليس ختام الحملة الانتخابية وشروط اعلان نتائجها.

          وبما ان قاعدة "لا يمكن الاعتداد بجهل القانون" تفترض قانونًا انتخابيًا – وان كان ساري المفعول – لا تردد على المستويين التشريعي والاجرائي في تطبيقه وبدون التباس تاليًا بذلك لدى جميع الذين ينوون خوض الحملة الانتخابية.

          وبما ان القانون المطعون فيه يعلق المهل لفترة زمنية حصرية، ما يفترض اعادة فتح المهل لصالح مرشحين سبق وسجلوا ترشيحهم حفاظًا على حقوقهم في الترشح ولصالح مرشحين آخرين اصبحوا على يقين بان الحملة الانتخابية حاصلة استنادًا الى قانون لا تردد بشأن تطبيقه وفي اطار منافسة مفتوحة ومكتملة شروطها التنظيمية.

          وبما ان قبول الطعن او رفضه لا يؤثر، لا سلبًا ولا ايجابًا، على مرشحين سجلوا ترشيحاتهم طالما ان حقهم في الترشح لم يمس في فترة زمنية حيث شروط الحملة الانتخابية غير مكتملة وطالما انه يمكن اعادة ترشحهم او الاستمرار به او العدول عنه حين تتحقق الشروط التنظيمية كافة للحملة الانتخابية.

          وبما ان القانون المطعون فيه في مضمونه واسبابه الموجبة، وكذلك في سوابقه وتداعياته، يظهر بذاته ان التصرف بالمهل الدستورية يزعزع انتظام المؤسسات وشرعيتها.

لذلك خالفت

انطوان مسرّه

عضو المجلس الدستوري

13\5\2013