قرار رقم 4\2001
قرار رقم 4\2001
تاريخ 29\9\2001
طلب ابطال القانون رقم 359 تاريخ 16 آب 2001:
تعديل بعض مواد قانون اصول المحاكمات الجزائية
المواد المسند اليها القرار
| الاعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان المواد 16، 18، 38، و57 من الدستور |
رقم المراجعة: 3\2001
المستدعون النواب: أنطوان اندراوس، نبيل البستاني، منصور البون، بيار الجميل، محمد الحجا، باسم السبع، فؤاد السعد، غازي العريضي، فارس بويز، علاء الدين ترو، وليد جنبلاط، بطرس حرب، بيار حلو، مروان حماده، صلاح حنين، فارس سعيد، أيمن شقير، أكرم شهيب، نعمه طعمه، ايلي عون، أنطوان غانم، أحمد فتفت، عبد الله فرحات، جورج قصارجي، البير مخيبر، نائلة معوض، فريد مكاري، جورج نعمه.
القانون المطلوب ابطاله: القانون رقم 359 الصادر بتاريخ 16 آب 2001 والمتعلق بتعديل بعض مواد قانون أصول المحاكمات الجزائية والمنشور في العدد 41 تاريخ 18\8\2001 من الجريدة الرسمية، لمخالفته الدستور.
إن المجلس الدستوري
الملتئم في مقرّه بتاريخ 29\9\2001 بحضور الرئيس أمين نصار ونائب الرئيس مصطفى العوجي والأعضاء: حسين حمدان، فوزي أبو مراد، سليم جريصاتي، سامي يونس، عفيف المقدّم، كبرِيال سرياني، مصطفى منصور، اميل بجاني.
وعملاً بالمادة 19 من الدستور،
وبعد الاطلاع على ملف المراجعة وعلى تقرير المقرر،
وبما ان النواب المسّمين أعلاه قد تقدموا من رئاسة المجلس الدستوري بتاريخ اول أيلول 2001 بمراجعة تسجلت في قلم المجلس تحت الرقم 3\2001 يطلبون فيها، في الشكل، قبول المراجعة شكلاً لاستيفائها الشروط الشكلية كافة، وفي الأساس، اصدار القرار بابطال القانون المطعون فيه برمته للأسباب التالية:
1- لمخالفته المادة 38 من الدستور ومبدأ الاستقرار التشريعي.
2-لمخالفته المادة 57 من الدستور والصلاحيات المنصوص عليها فيها.
3- لمخالفته مواده أحكام المادة 8 من الدستور والفقرة "ب" من مقدمة الدستور ولمخالفته المبادئ الأساسية المنصوص عنها في الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان التي يؤكد الدستور التزامه بها.
وقد بادر المستدعون، في مقدمة مراجعة الطعن، الى سرد الوقائع التي رافقت منذ البدء تعديل أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية في لبنان، بعد ان أصبح هذا القانون متخلفاً عن تحقيق العدالة وعن تقديم الضمانات اللازمة للأفراد، شارحين المخاض الطويل لوضع القانون الجديد واقراره، ومن ثم ممارسة رئيس الجمهورية لحقه الدستوري في طلب إعادة النظر في القانون الجديد، فاجتماع مجلس النواب بتاريخ 26 تموز 2001 في هيئته العامة واقراره القانون مجدداً بالأغلبية المطلقة، مما حدا برئيس الجمهورية الى اصدار القانون وطلب نشره وفقاً للأصول، الا ان عشرة نواب، ومعظمهم انتمى الى الأكثرية المطلقة أعلاه، بادروا بتاريخ 8 آب 2001 الى التقدم باقتراح قانون معجل مكرر يرمي الى تعديل القانون الذي سبق لمجلس النواب ان أقره في جلسة 26 تموز 2001، متضمنين اقتراحهم المواد عينها التي كان سبق لرئيس الجمهورية ان طلب إعادة النظر فيها والتي سبق أيضاً لمجلس النواب ان رفضها عندما طرح بعض النواب تعديلها في الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 26 تموز 2001، فما كان من مجلس النواب، في ضوء اقتراح القانون الجديد المطروح عليه، ولأسباب يصفها المستدعون بأنها لا تمت بصلة الى أصول التشريع أو الى بروز أسباب موجبة جديدة، الا ان صدق اقتراح القانون المذكور في جلسته العامة تاريخ 13 آب 2001.
وقد أدلى المستدعون بأسباب الطعن تفصيلاً كالتالي:
أولاً: في مخالفة المادة 38 من الدستور ومبدأ الاستقرار التشريعي:
أورد المستدعون تحت هذا السبب انه يتبين من مراجعة اقتراح القانون الذي أقر في جلسة مجلس النواب تاريخ 13 آب 2001 ومقارنة مواده مع الاقتراحات التي تقدّم بعض النواب خلال جلسة مجلس النواب تاريخ 26 تموز 2001 ولم تنل موافقة المجلس في حينه ان هذه الاقتراحات والمواد هي عينها، اذ تضمن اقتراح القانون المعجّل المكرر والذي أقرّه مجلس النواب في جلسة 13 آب 2001 تعديل المواد 13 و14 و32 و42 و47 من القانون رقم 328 الصادر بتاريخ 2\8\2001 (أصول المحاكمات الجزائية) في حين كان سبق ان بحث مضمون هذه المواد وتقدم بعض النواب، لاسيما رئيس لجنة الإدارة والعدل، باقتراحات بشأنها خلال جلسة 26 تموز 2001 لم تنل موافقة مجلس النواب فسقطت، كما هو ثابت في المحاضر المرفقة بمراجعة الطعن، فيكون اقتراح القانون الجديد قد سبق طرحه في العقد ذاته ولم ينل موافقة المجلس، فالجلسة التي رفضت فيها الاقتراحات المقدمة من بعض النواب بصدد تعديل المواد أعلاه انعقدت بتاريخ 26 تموز 2001 والجلسة التي صدق فيها اقتراح القانون الجديد قد انعقدت بتاريخ 13 آب 2001، علما بأن العقد الاستثنائي الذي دعي اليه مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 5579 تاريخ 5\6\2001 قد تحدد بدؤه بتاريخ 11 حزيران 2001 وانتهاؤه بتاريخ 15 تشرين الأول 2001، بحيث تكون الجلستان اللتان عقدهما مجلس النواب بتاريخ 26 تموز 2001 و13 آب 2001 قد عقدتا خلال العقد الاستثنائي الواحد.
ويدلي المستدعون ان المادة 38 من الدستور تحظر صراحة ان يطرح ثانية للبحث في العقد ذاته أي اقتراح قانون لم ينل موافقة المجلس، بحيث يشكل التصديق على اقتراح القانون في جلسة 13 آب 2001 بعد رفضه في جلسة 26 تموز 2001 بالشكل المبين أعلاه، مخالفة دستورية صريحة تؤدي الى بطلان القانون المطعون فيه، وانه يعود للمجلس الدستوري ان يراقب احترام القواعد المنصوص عنها في الدستور والتي يجب التقيّد بها أثناء عمليات التشريع وان هذا العمل يقع بالتالي تحت رقابته.
ويضيف المستدعون ان الاستقرار التشريعي يعتبر من أهم ركائز النظام السياسي في لبنان وان مخالفته تشكل مخالفة لأهم القيم الدستورية وتعرض العمل الذي يمس به للبطلان.
ويخلص المستدعون لهذه الجهة انه يقتضي ابطال القانون المطعون فيه لمخالفته أحكام المادة 38 من الدستور ومبدأ الاستقرار التشريعي.
ثانياً: في مخالفة المادة 57 من الدستور والتحايل على أحكامه:
أورد المستدعون تحت هذا السبب ان الدستور اللبناني، الذي نظم السلطات الدستورية وعملها ووضع حدود صلاحيات كل منها، قد منح رئيس الجمهورية صلاحية استثنائية هي حقه بطلب إعادة النظر في أي قانون لمرة واحدة وضمن المهلة المحددة لاصداره، دون جواز رفض طلبه، الا ان الدستور فرض على الرئيس اصدار القانون ونشره في حال عاد المجلس وأقره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم قانوناً تحت طائلة اعتبار القانون نافذا حكما وواجب النشر، على ما جاء صراحة في المادة 57 من الدستور.
ويضيف المستدعون ان هذا الحق المطلق لرئيس الجمهورية يعود الى انه حامي الدستور والمصلحة الوطنية العليا فاذا ما تبين له في القانون المعروض على توقيعه ما يمس بهما مارس صلاحية الرد المحفوظة له دستوراً، وهذا ما يفسر ان المادة 57 ذاتها من الدستور قد فرضت أكثرية موصوفة على مجلس النواب لاقرار القانون عند إعادة النظر فيه، وليس الأكثرية العادية المشرّعة وبهذا تكون المادة 57 من الدستور في ما نصت عليه محققة للتوازن بين صلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحيات مجلس النواب وواضعة لحدود أي مواجهة بينهما وأصول حصولها ووسائل حسمها، بحيث تشكل كل محاولة للالتفاف حول هذه المادة خرقا لها ومخالفة لاحكامها.
ويضيف المستدعون أيضاً ان تدخل عضو أو أكثر من عضو في مجلس النواب في العملية الدستورية المحددة في المادة 57 من الدستور لتعطيلها من خلال تقديم اقتراح قانون في العقد التشريعي ذاته لاعادة طرح القانون الذي مارس رئيس الجمهورية بشأنه حق طلب إعادة النظر فيه دون نجاح وأصر عليه مجلس النواب بالأكثرية الموصوفة، يشكّل التفافا على احكام الدستور وتحريفاً لها ويؤدي الى قراءة ثالثة للقانون مما يتعارض مع المادة 57 المذكورة ويخضع التشريع وأصوله وآليته الى التجاذبات السياسية ويمس بمبدأ الاستقرار التشريعي وسمعة مجلس النواب والثقة بالنظام السياسي وأهله، وان إضافة وسيلة جديدة لاعادة النظر في قانون سبق لمجلس النواب ان أقره بالأكثرية المطلوبة وأصر على اقراره بالأكثرية المطلقة من جراء طلب إعادة النظر فيه من قبل رئيس الجمهورية تخالف مخالفة صريحة المادة 38 من الدستور.
ويخلص المستدعون لهذه الجهة انه يقتضي ابطال القانون المطعون فيه لأن في اقراره تحايلاً على أحكام الدستور وتعطيلا لها.
ثالثاً: مخالفة مجموعة الحقوق الدستورية للمواطنين:
يدلي المستدعون تحت هذا السبب ان الدستور اللبناني التزم في مقدمته (الفقرة "ب") بمواثيق الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان، وان المادة 8 من الدستور تنص على ان الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون وانه لا يمكن ان يقبض على احد او يحبس او يوقف الا وفقا لاحكام القانون كما لا يمكن تحديد جرم او تعيين عقوبة الا بقتضى القانون، وان المجلس الدستوري، عند أعمال رقابته على دستورية قانون مطعون فيه، له الصلاحية في ان ينظر في مدى توافق القانون المطعون فيه مع المبادئ الدستورية والقانونية الأساسية التي يتضمنها الدستور أو يشير اليها أو يلتزم بها في مواده وفي مقدمته.
وتأسيساً على ما سبق يدلي المستدعون بما يلي:
1 - وجوب ابطال المادتين 13 و14 المعدلتين بالقانون المطعون فيه لمخالفتهما الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان، فالمادة 13 كرست حق النائب العام لدى محكمة التمييز البت نهائياً في أي خلاف بين مرجع غير قضائي وبين النيابة العامة الاستئنافية او النيابة العامة المالية او مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، مما يضع الفرد وحقوقه وحرياته تحت رحمة السلطة السياسية التي يعود لها، عبر وزير العدل، اصدار التوجيهات للنيابة العامة للملاحقة أو عدم الملاحقة، وهذا ما يتعارض مع حق الفرد بأن يكون مع السلطة وأفرادها سواسية أمام القانون وفي ان يتمتع بحماية متكافئة منه من دون أي تفرقة على ما نصت عليه المادة 7 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان.
أما في ما خص المادة 14 المعدلة بالقانون المطعون فيه فهي تنص على حق النائب العام لدى محكمة التمييز باجراء التحقيق مباشرة او بواسطة معاونيه من قضاة النيابة العامة الملحقين به أو أفراد الضابطة العدلية التابعين له، دون ان يكون له حق الادعاء، مما يؤدي الى اخضاع أي مشتبه به الى تحقيقين أوليين لدى النيابة العامة، الأول لدى النائب العام لدى محكمة التمييز الذي لا يحق له الادعاء، والثاني لدى احدى النيابات العامة الاستئنافية او المالية او العسكرية التي يحق لها الادعاء، وهذا ما يطيل أمد التحقيقات الأولية والتوقيفات على ذمة التحقيق دون مبرر، مما يتعارض كلياً مع قرينة البراءة التي يكرسها الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان.
ويخلص المستدعون لهذه الجهة انه يقتضي ابطال المادتين 13 و 14 المعدلتين بالقانون المطعون فيه.
2 - وجوب ابطال المواد 32 و42 و47 المعدلة بالقانون المطعون فيه لمخالفتها الإعلان العالمي العالمي لشرعة حقوق الانسان، من حيث انها تطيل فترة التوقيفات على ذمة التحقيق مما يتعارض مع قرينة البراءة المنصوص عنها في المادة 11 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان، التي تنص على ان كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً الى ان تثبت ادانته قانونا بمحاكمة علنية توفر له الضمانات الضرورية للدفاع عنه، ومما يعرض الموقوفين الى شتّى أنواع الضغوط والتعذيب الجسدي والمعنوي، كما والى عقوبات قد يتبين لاحقاً ان لا مبرر لها وانها طالت أبرياء، وهذا ما يخالف أيضاً المادة 5 من الإعلان العالمي المذكور التي تنص على ان لا يتعرض أي انسان للتعذيب ولا للعقوبات او للمعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.
ويخلص المستدعون لهذه الجهة انه يقتضي ابطال المواد 32 و42 و47 المعدلة بالقانون المطعون فيه لمخالفتها أحكام المادة 8 من الدستور اللبناني كما ومضمون الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان.
فبناء على ما تقــدّم،
أولاً: في الشكل:
بما أن مراجعة الطعن الحاضرة قد قدمت ضمن المهلة مستوفية سائر شروطها القانونية فتكون مقبولة في الشكل.
ثانياً: في الأساس:
في السبب الأول: في مخالفة المادة 38 من الدستور ومبدأ الاستقرار التشريعي:
بما انه يعود للمجلس الدستوري ان ينظر بمعرض أعمال رقابته على دستورية أي نص تشريعي مطعون فيه لديه، فيما لو كان إقرار هذا النص قد تم وفقا لأحكام الدستور، أي ان ينظر في عيوب عدم الدستورية التي قد تشوب أصول التشريع المنصوص عنها في الدستور أو المكرسة في القواعد العامة الأساسية الواردة في مقدمته أو في متنه، أو في المبادئ العامة ذات القيمة الدستورية، وان لا تكون رقابته بالتالي مقتصرة على مضمون النص التشريعي المطعون فيه وانطباقه على الدستور وسائر القواعد والمبادئ الدستورية أعلاه، وهذا ما سبق ان اعتمده المجلس الدستوري الفرنسي منذ العام 1975.
« Il appartient au Conseil constitutionnel “non seulement de se prononcer sur la conformité des dispositions de cette loi à la Constitution, mais encore d’examiner si elle a été adoptée dans le respect des règles de valeur constitutionnelle relatives à la procédure législative” et il arrive même aujourd’hui que seule la procédure législative soit contestée devant le Conseil constitutionnel… »
C.C75-57-D.C.23 juillet 1975, R.p.24, cité in Contentieux constitutionnel, Dominique Turpin, PUF, 1994.
وبما ان المجلس يرى ان تذرع مراجعة الطعن بالمادة 38 من الدستور لطلب ابطال القانون المطعون فيه بسبب عدم انطباق أصول اقراره على مضمون هذه المادة، يستوجب بادئ ذي بدء، تفسير المادة 38 من الدستور تفسيراً تتيحه المراجعة الحاضرة، اذ لم يسبق ان أثيرت مسألة تفسير هذه المادة في ضوء الممارسة:
“Il conviendrait de relever de suite que cette difficulté d’interprétation que soulève l’article en cause (article 38 de la Constitution) ne présente qu’un aspect théorique. Jamais en effet, dans les annales parlementaires, ne vit-on au Liban un gouvernement s’obstiner à vouloir remettre en discussion un projet de loi rejeté par la Chambre en son assemblée générale, si tant est qu’elle ait jamais tenté d’esquiser un tel geste. »
La Constitution libanaise. Origines, textes et commentaires, Edmond Rabbath, Beyrouth, 1982, p.262.
وبما انه يعود للمجلس ان يفسر الدستور في معرض أعمال رقابته على دستورية نص تشريعي ما لتحديد مدى انطباق هذا النص على أحكام الدستور، وان المجلس على غرار مساهمته بصورة مباشرة عند أعمال رقابته أو غير مباشرة بتفادي المشترع تلك الرقابة، في صناعة النص التشريعي السليم دستوراً، فهو أيضاً عند قيامه بتفسير النص الدستوري بمعرض مراجعة طعن بدستورية نص تشريعي ما، انما يعطي النص الدستوري معناه الملزم:
« L’appréciation portée par le Conseil constitutionnel est le fruit du double travail d’interprétation qui est celui de tout juge, interprétation de la Constitution et interprétation de la loi en cause et dont le résultat est l’existence ou non d’un rapport de conformité entre la loi et la Constitution. »
Contentieux constitutionnel français, Guillaume Drago, PUF, 1998, pp. 308-309.
« Pour appliquer une disposition constitutionnelle, le Conseil doit, au préalable, déterminer sa signification, choisir, par un travail d’interprétation des mots, une signification parmi l’ensemble des possibles. La norme constitutionnelle n’apparaît en tant qu’instance d’appréciation de la loi, qu’à partir du moment où le Conseil lui a donné un sens .»
Droit de contentieux constitutionnel, Dominique Rousseau, Montchrestien,
4e éd., p. 414.
وبما ان المجلس يرى ان المادة 38 من الدستور التي تنص حرفياً على ما يلي:
"ان كل اقتراح قانون لم ينل موافقة المجلس لا يمكن ان يطرح ثانية للبحث في العقد نفسه"، على وضوحها الظاهري، انما تحتمل التأويل وتستوجب بالتالي تفسيراً لعبارة "اقتراح قانون" الواردة صراحة فيها، لكي يتسنى للمجلس اتخاذ موقف من مراجعة الطعن الحاضرة بهذا الخصوص، وان هذا التفسير لا يمكن الا ان يكون تفسيراً ضيقاً بحيث لا يصل الى حد استخلاص المعنى من روح النص، أو إيجاد حظر أو استثناء بأعمال القياس حيث لا نص، وذلك بالنظر الى ان هذه المادة الإجرائية الطابع تنص على حظر (عدم إمكانية طرح اقتراح القانون مجددا) واستثناء من قاعدة عامة (جواز التشريع في كل حين خلال العقود التشريعية).
وبما ان المجلس يرى ان عبارة "اقتراح قانون" لا يمكن تفسيرها الا في ضوء نص المادة 18 من الدستور الواردة في باب "السلطات" تحت عنوان "أحكام عامة" مما يعني انها مادة مبدئية، والتي تنص حرفياً على ما يلي: لمجلس النواب ومجلس الوزراء حق اقتراح القوانين ولا ينشر قانون ما لم يقره مجلس النواب، وان هذه المادة المبدئية تشمل في نصها على المبادرة التشريعية L’initiative des lois، "اقتراح القوانين" و"مشاريع القوانين" معا طالما انها تشمل المصدرين معا، أي مجلس النواب ومجلس الوزراء، وان عبارة "اقتراح قانون" تعني أيضاً في هذا السياق "مشروع قانون"، وانه عملاً بمبدأ تفسير النصوص بهدف تطبيقها معا تطبيقا متناغما ومتآلفا فيما بينها دون أي تعطيل أو استبعاد أو اجتزاء لأي منها، ينسحب التفسير الشمولي أعلاه على المادة 38 من الدستور بحيث ان عبارة "اقتراح قانون" الواردة فيها تعني أيضاً "مشروع قانون" بمعنى كل مبادرة تشريعية تنطلق من احدى السلطتين المشترعة أو الإجرائية اللتين لكليهما حق وسلطة المبادرة التشريعية في الدستور اللبناني.
وبما ان ما يعزز هذا التفسير للمادة 38 من الدستور ان المادة 34 من الدستور، وهي أيضاً مادة مبدئية ترعى بصورة عامة عملية التصويت في مجلس النواب، تنص ان قرارات مجلس النواب تتخذ بغالبية الأصوات و"اذا تعادلت الأصوات سقط المشروع المطروح للمناقشة". والمقصود بالطبع بعبارة "المشروع" مشروع القانون أو اقتراح القانون على حدّ سواء.
وبما ان ما يعزز أيضاً هذا التفسير للمادة 38 من الدستور ان الهدف الذي ترمي اليه، وهو عدم ارباك السلطة المشترعة بنصوص تعرض عليها مجددا للمناقشة وقد سبق لها رفض إقرارها في العقد ذاته، انما يجد مبرراته كافة سواء طرحت تلك النصوص على السلطة المشترعة بموجب اقتراحات قوانين او مشاريع قوانين، طالما ان الارباك يتأتى بالمبدأ عن أي من المبادرتين التشريعيتين في العقد ذاته.
وبما انه من المعتمد في بعض النصوص الدستورية وسواها من النصوص والأنظمة التي لا تتمتع بالصفة وبالقيمة الدستورية، كما وفي العرف والممارسة، ان "اقتراح القانون" انما يعني المبادرة التشريعية التي يطلقها مجلس النواب، و"مشروع القانون" المبادرة التشريعية التي يطلقها مجلس الوزراء، وانه من الثابت ان الدستور اللبناني لم ينظم المبادرتين التشريعيتين المذكورتين بشكل مستقل وواف ودقيق، بخلاف الدستور الفرنسي الذي يتضمن أكثر من مادة تعنى صراحة باقتراحات القوانين وبمشاريعها.
وبما ان المادة 38 من الدستور، تكون والحالة هذه، شاملة لاقتراحات القوانين ومشاريعها في آن بحيث تحظر ان يطرح ثانية للبحث في العقد ذاته أي اقتراح قانون أو مشروع قانون لم ينل موافقة مجلس النواب خلال العقد المذكور.
وبما أنه لم يتبين للمجلس، في ضوء ما سبق، ان القانون المطعون فيه قد سبقه أي اقتراح قانون أو مشروع قانون مماثل لم ينل موافقة المجلس في العقد الاستثنائي ذاته الذي أشارت اليه مراجعة الطعن، علما بأن العقد ذاته يشمل العقد العادي والعقد الاستثنائي على حدّ سواء، طالما ان كليهما يؤلفان وعاء زمنياً يصنع التشريع فيه، بل على العكس فلقد نال القانون رقم 328\2001 (أصول المحاكمات الجزائية) موافقة مجلس النواب مرتين في عقدين مختلفين (عند اقراره وعند الإصرار عليه بنتيجة طلب إعادة النظر فيه)، كما نال اقتراح القانون فيه موافقة مجلس النواب أيضاً خلال العقد الاستثنائي الذي أصر فيه المجلس المذكور على القانون، فتكون النتيجة سلسلة موافقات متلاحقة على التشريع المعني، في حين ان المادة 38 من الدستور لم تنص الا على الحالة التي لم ينل فيها القانون المطروح الموافقة.
وبما انه يقتضي، استكمالا لأعمال الرقابة، وفي ضوء ما أوردته مراجعة الطعن بهذا الخصوص، وتجاوزاً لها أيضاً على ما سار عليه اجتهاد هذا المجلس من انه يضع يده على القانون المطعون فيه بأكمله ولا يقف عند حدود مراجعة الطعن به، مما يعني أنه يضع يده على كامل جوانب الأصول الدستورية للتشريع التي أحاطت بإقرار القانون حتى لو لم تشر اليها مراجعة الطعن صراحة أو عرضا، من ان يطرح المجلس على نفسه المسألتين التاليتين ويأتي بالاجابة عن كل منهما:
الف: هل ان ممارسة رئيس الجمهورية لحقه الدستوري المحفوظ له بمقتضى المادة 57 من الدستور بطلب إعادة النظر بالقانون رقم 328 تاريخ 2\8\2001 (قانون أصول المحاكمات الجزائية) وعدم استجابة مجلس النواب لطلبه هذا ورفضه عن طريق تصديق القانون المذكور مع ادخال تعديلات طفيفة عليه بالأكثرية الموصوفة المحددة في المادة المذكورة، وذلك خلال العقد التشريعي الاستثنائي ذاته الذي أقر خلاله اقتراح القانون المطعون فيه، هل يعتبر كل ذلك بمثابة عدم نيل مبادرة تشريعية موافقة مجلس النواب خلال العقد ذاته الذي طرح فيه اقتراح القانون المطعون فيه مما يستوجب تطبيق المادة 38 من الدستور على النحو التفسيري الذي اعتمده المجلس آنفا؟
وبصورة مقتضبة، ما هو أثر مرسوم إعادة النظر بالقانون المشار اليه أعلاه على القانون التعديلي المطعون فيه بالمراجعة الحاضرة؟
بـــاء: هل ان اقتراحات التعديل Propositions d’amendement التي يتقدّم بها أي من النواب خلال جلسات مجلس النواب على اقتراح قانون أو مشروع قانون مطروح على المناقشة العامة، تعتبر بمنزلة اقتراحات القوانين المشمولة بالمادة 38 من الدستور، بحيث ان التقدم بها وعدم نيلها موافقة المجلس يدخل في نطاق تطبيق هذه المادة وفقاً للشرح المعتمد لها أعلاه؟
وبما ان المجلس يرى الإجابة عن هاتين المسألتين كالتالي:
الف: ان ما يجب الإشارة اليه بادئ ذي بدء ان المرسوم رقم 5328 تاريخ 20\4\2001 الذي طلب بموجبه رئيس الجمهورية، عملا بالصلاحية المحفوظة له منفرداً في المادة 57 من الدستور، إعادة النظر في قانون أصول المحاكمات الجزائية انما صدر ونشر قبل بدء العقد التشريعي الاستثنائي الذي صدر مرسوم دعوة مجلس النواب اليه رقم 5579 بتاريخ 5\6\2001 محددا تاريخ بدئه في 11\6\2001 وتاريخ انتهائه في 15\10\2001.
وفي مطلق الأحوال، ان مرسوم إعادة النظر بالقانون بقرار منفرد من رئيس الجمهورية لا يندرج على الاطلاق في الممارسة التشريعية ولا يطلق أي مبادرة بهذا الشأن، لان أي قول او رأي مناهض لذلك يخالف صراحة المادة 18 من الدستور التي حصرت المبادرة التشريعية بمجلس النواب ومجلس الوزراء دون سواهما، كما والمادة 16 من الدستور التي حصرت بمجلس النواب دون سواه سلطة التشريع فنصت بشكل حاسم على ان "تتولى السلطة المشترعة هيئة واحدة هي مجلس النواب". بالإضافة الى المادة 51 من الدستور التي انكرت صراحة على رئيس الجمهورية حق ادخال أي تعديل على القوانين عند إصدارها ونشرها، وكل ذلك عملاً بمبدأ فصل السلطات، وهو مبدأ دستوري مكرس في مقدمة الدستور.
أما اذا كانت العبرة كما يجب ان تكون، لموقف مجلس النواب من طلب إعادة النظر بالقانون فهذا الموقف قد اتخذ خلال العقد الاستثنائي المشار اليه أعلاه، وهو موقف رافض لاعادة النظر ومصدق للقانون بالغالبية المطلقة المحددة في المادة 57 من الدستور.
وبما ان هذه المادة 57 من الدستور قد حصرت برئيس الجمهورية منفرداً الحق، الذي لا يجوز انكار ممارسته عليه، بأن يؤجل اصدار القانون عن طريق إعادة النظر فيه، وبأن يرفض إصداره اذا لم يصدق عليه مجلس النواب بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً.
وبما انه يستفاد من هذا النص ان طلب إعادة النظر بالقانون يؤدي الى تجميده اذ يصبح رئيس الجمهورية بحل من إصداره ريثما يعيد مجلس النواب النظر فيه ويصر عليه بأكثرية موصوفة، دون ان يفقد هذا التجميد القانون كيانه، بدليل انه في حال انقضاء المهلة المحددة دستوراً لاصدار أي قانون او طلب إعادة النظر فيه دون ان يبادر رئيس الجمهورية الى أي من القرارين، يعتبر القانون نافذا حكما وواجب النشر دون أي معاملة إضافية.
وبما ان صلاحية مجلس النواب، بصفته السلطة المشترعة التي حصر بها الدستور وحدها في مادته 16 سلطة التشريع كما أسلفنا، دون تقييدها باطار محدد أو بدائرة مغلقة، انما تتيح للمجلس المذكور عند وضع يده على التشريع المطلوب إعادة النظر فيه، ان ينظر فيه مجددا برمته دون أي قيد فيصدق عليه بحذافيره أو يقدم على تعديله او يعود عنه برمته، وذلك مهما كانت أسباب طلب إعادة النظر اذا وردت، أو اطاره، اذا تحدد.
وبما انه بالرغم من ان مجلس النواب يستعيد سلطة التشريع بأكملها عندما يطلب منه رئيس الجمهورية إعادة النظر بقانون ما وفقا للمادة 57 من الدستور، فان قيام مجلس النواب بالاصرار على القانون أو بتعديله لا يشكل بحد ذاته اقتراح قانون جديد، ولا ينسحب وصف اقتراح القانون او طبيعته على موقف مجلس النواب هذا من التشريع المطلوب إعادة النظر فيه، وذلك لأسباب أربعة على الأقل:
- ان المادة 57 من الدستور لا تتعلق بالتشريع ولا تنظم عملية التصويت على القانون واقراره خلال المناقشة الثانية له، بل هي مادة تتعلق بالسلطة الإجرائية وتحديدا برئيس الجمهورية وتقع في الفصل الرابع المعنون "السلطة الإجرائية" من الباب الثاني المعنون "السلطات" من الدستور، وان هذه المادة تنظم الحالة التي يكون فيها رئيس الجمهورية مجبراً على اصدار القانون وطلب نشره في حال مارس حقه بطلب إعادة النظر فيه وتوفرت أكثرية موصوفة في مجلس النواب تناهض هذا الطلب.
- ان القانون المطلوب إعادة النظر فيه يظل قائماً بحد ذاته وبكينونته وهو مجمد ومعلّق النفاذ ليس الا ريثما يتخذ مجلس النواب موقفا منه، وإلا يكون الدستور قد أعطى رئيس الجمهورية في المادة 57 منه سلطة نقض التشريع وازالته من الوجود، بينما لا يعود له حتى حق تعديل القانون عند إصداره عملا بالمادة 51 من الدستور، هذا الامر غير الوارد أصلا وغير الجائز دستورا عملا بمبدأ فصل السلطات وتوازنها.
- لو أراد المشترع الدستوري ان يجعل من موقف مجلس النواب من القانون المطلوب إعادة النظر فيه مجرد اقتراح قانون، أو مبادرة تشريعية جديدة بصورة عامة، لما أوجب توفر أكثرية موصوفة لاقراره بل كان اكتفى بالأكثرية العادية المنصوص عنها في المادة 34 من الدستور ليكون رئيس الجمهورية مجبرا، وليس مخيرا، بإصدار القانون الذي طلب إعادة النظر فيه.
- ان الصلاحية المنفردة المحفوظة لرئيس الجمهورية في المادة 57 من الدستور انما يمارسها لأنه حامي الدستور ومصلحة البلاد العليا على ما جاء في المادة 49 من الدستور وفي قسمه المنصوص عنه في المادة 50 من الدستور، بحيث لا يجوز تقييد هذه الصلاحية أو اثقالها بغير ما ورد في متن المادة المنظمة لها من أصول ممارسة وقيود بأن يصار الى اعتبار إصرار مجلس النواب على القانون كأنه يفوّت على النواب وعلى مجلس الوزراء التقدم باقتراح قانون أو بمشروع قانون ليتم مناقشته في المجلس خلال العقد ذاته.
وبما ان المجلس يرى، في ضوء كل ما سبق، ان مناقشة مجلس النواب مناقشة ثانية للقانون الذي طلب رئيس الجمهورية إعادة النظر فيه والإصرار عليه برفض طلب إعادة النظر هذه لا يمكن وصفها بالمبادرة التشريعية التي لم تنل موافقة مجلس النواب بمفهوم المادة 38 من الدستور.
بـــــاء: ان ما يجب الإشارة اليه بادئ ذي بدء ان اقتراح التعديل الذي يتقدم به النائب خلال جلسة عامة لمجلس النواب والذي يهدف، كما تدل التسمية، الى تعديل نص تشريعي مطروح على المناقشة امام الهيئة العامة لمجلس النواب، غير منصوص عنه في الدستور اللبناني، بخلاف ما هو عليه الأمر في الدستور الفرنسي لعام 1958، لاسيما في المادة 44 منه التي تنص فقرتها الأولى حرفيا على ما يلي:
Article 44: « Les membres du Parlement et le Gouvernement ont le droit d’amendement. »
وان الدستور الفرنسي ينظم حق التعديل هذا الذي يعود الى أعضاء المجلسين والى الحكومة ويضع آليته الخاصة به، أما الدستور اللبناني، على غرار الدستور الفرنسي لعام 1875، فلم يأت على ذكر هذا الحق لا من حيث المبدأ ولا من حيث التنظيم، وقد تولى النظام الداخلي لمجلس النواب هذا الأمر بأن أشار الى اقتراحات النواب بتعديل المشاريع أو الاقتراحات موضوع البحث ونص على ترتيب معين للاولوية بالمناقشات والتصويت بالنسبة لمختلف الاقتراحات التي قد تصدر عن النواب خلال الجلسات، ومنها اقتراحات التعديل.
وبالرغم من ان النظام الداخلي لمجلس النواب لا يؤلف مرجعا دستورياNorme de référence constitutionnelle يمكن للمجلس الدستوري الركون اليه في أعمال رقابته، الا انه يحق للمجلس في كل حين الاستئناس بهذا النظام والعطف على مواده خاصة اذا وجد فيها مرتكزا لمبادئ أساسية في النظام الديمقراطي البرلماني الذي هو نظام لبنان السياسي عملاً بالفقرة "ج" من مقدمة الدستور، كالنصوص المتعلقة مثلاً بحق النواب باقتراح التعديلات على مشاريع واقتراحات القوانين عند مناقشتها في مجلس النواب، لاسيما اذا شغر الدستور من أي نص بخصوصها.
وبما انه يتبين من مراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب، على سبيل الاستئناس وليس الحجة بالضرورة، وبغياب أي نصوص قانونية أخرى صريحة ذات قيمة دستورية، ان اقتراحات التعديل التي يتقدم بها النواب أثناء الجلسات انما تطال مشاريع القوانين أو اقتراحات القوانين موضوع المناقشة، بحيث اتها لا يمكن ان تعني على الاطلاق اقتراحات القوانين التي تقصدها المادة 38 من الدستور كما أسلف المجلس شرحها في قراره هذا أو المادة 101 من النظام الداخلي لمجلس النواب المصادق عليه في جلسة 18\10\1994، وذلك لأن صناعة التشريع تمر حكما بمرحلتين:
-مرحلة المبادرة التشريعيةL’initative législative والتي تتمثل بمشاريع القوانين أو اقتراحات القوانين التي ترد الى المجلس ان من مجلس الوزراء بالنسبة لمشاريع القوانين، أو من النواب بالنسبة لاقتراحات القوانين، وهذه المبادرات التشريعية تطلق التشريع، أي عملية انتاج العمل التشريعي لمجلس النواب، وهو السلطة التي أناط بها الدستور حصراً سن القوانين.
-مرحلة المناقشة التشريعية La discussion législative، وهي المرحلة التي يتم خلالها مناقشة التشريع المطروح على مجلس النواب بموجب مشاريع القوانين أو اقتراحات القوانين، وهي مرحلة تدخل في صلب الصناعة التشريعية لأن مجلس النواب عند مناقشة أي مشروع قانون أو اقتراح قانون، انما يوجد النص تمهيدا لاقراره.
وان اقتراحات التعديل التي يتقدم بها النواب على مشروع قانون أو اقتراح قانون مطروح على المناقشة انما تدخل في هذه المرحلة، أي مرحلة مناقشة النص التشريعي الذي سبق طرحه على السلطة المشترعة بمبادرة من النواب أنفسهم أو من السلطة الإجرائية.
وبما ان سلطة التشريع، والمقصود سلطة سن القوانين، سلطة أصيلة ومطلقة وقد حصرها الدستور بهيئة واحدة دون غيرها، هي مجلس النواب، على ما جاء صراحة في المادة 16 من الدستور، وان هذه السلطة هي حق من حقوق السيادة التي تستمد مصدرها وقوتها وشرعيتها من الشعب الذي يمارسها عبر المؤسسة التي تتولاها، أي مجلس النواب، وفقا لما يستفاد من الفقرة "د" من مقدمة الدستور.
وبما انه يعود للسلطة المشترعة، بمقتضى صلاحياتها الدستورية، ان تضع قانونا أو ان تلغي قانونا نافذا أو لم يدخل حيز التنفيذ بعد أو ان تعدل احكام هذا القانون في أي حين دون ان تشكل هذه الممارسة مخالفة لاحكام الدستور، أو تقع تحت رقابة المجلس الدستوري، طالما ان هذا التشريع أو الغاءه أو تعديله لم يمس نصا دستوريا صريحا أو قاعدة دستورية أساسية أو حقا من الحقوق الدستورية الأساسية أو مبدأ من المبادئ ذات القيمة الدستورية على ما سار عليه اجتهاد هذا المجلس، وهذه هي الحدود الوحيدة المرسومة لصلاحيات السلطة المشترعة.
وبما ان المادة 38 من الدستور، وهي مادة ذات طابع اجرائي كما أسلفنا، لا يمكن ان تفسر على انها تضع قيدا على سلطة التشريع، أي السلطة الاصلية والمطلقة التي يتمتع بها مجلس النواب في سن القوانين، بل هي تتعلق فقط بالمرحلة الأولى من التشريع، وهي مرحلة المبادرة التشريعية أي اطلاق عملية التشريعL’initiative législative بحيث لا يربك مجلس النواب باقتراحات قوانين أو مشاريع قوانين سبق له في العقد ذاته ان رفض إقرارها، فلا تلج باب المناقشة لديه من جديد، أما وقد وضع مجلس النواب يده على مشروع قانون أو اقتراح قانون، فلا ينسحب الارباك المذكور على اقتراحات التعديل التي يتقدم بها النواب خلال جلسات التشريع، أي خلال جلسات صناعة العمل التشريعي التي يتم فيها البحث في النصوص المطروحة ومناقشتها وتعديلها وإدخال التعديل على التعديل المقترحSous-amendement وإقرار هذه النصوص أو رفضها وردها أو اعادتها الى اللجان، أو تأجيل مناقشتها الى جلسة ثانية، وسوى ذلك من القرارات التي قد يتخذها مجلس النواب تبعا لوضع يده على التشريع.
وبما ان ما يعزز عدم شمول المادة 38 من الدستور اقتراحات التعديل المقدمة من النواب خلال جلسات التشريع العامة، بالإضافة الى الحجة الأولى المتمثلة بعدم جواز وضع أي قيد على سلطة التشريع في مرحلة مناقشة التشريع وفقاً لأحكام الدستور، مبدأ توازن السلطات المنصوص عنه في الفقرة "ه" من مقدمة الدستور والمكرس في متنه عند تنظيم مختلف السلطات الدستورية وصلاحياتها.
وبما ان كل اخلال بتوازن السلطات يشكل مخالفة دستورية صريحة تقع تحت رقابة المجلس الدستوري، وانه اذا قدر لنائب أو أكثر شل قدرة اطلاق التشريع من قبل مجلس الوزراء عن طريق عدم تمكينه من وضع مشروع قانون واحالته على مجلس النواب لمناقشته أثناء عقد تشريعي معين، بمجرد ان هذا النائب أو هؤلاء النواب قد تقدموا أثناء العقد ذاته باقتراحات تعديل رفض مجلس النواب إقرارها، فان هذا الأمر يعبر بحد ذاته عن اخلال بمبدأ التوازن بين السلطات بحيث تعطل سلطة، أو من ينتمي اليها، صلاحيات سلطة أخرى خارج الأطر والنصوص الدستورية.
وبما ان الأمر ينسحب أيضاً على ما هو أخطر من ذلك، اذا قدر لنائب أو أكثر ان يشل قدرة مجلس النواب بالذات على اطلاق التشريع عن طريق حظر وضع اقتراح قانون في حال سبق لاحد النواب او لبعضهم ان تقدم باقتراحات تعديل لنصوص مماثلة لم تنل موافقة مجلس النواب خلال عقد تشريعي معين، فيعطى النائب أو مجموعة من النواب سلطة شاسعة ومؤثرة على سلطة اطلاق التشريع التي يتمتع بها مجلس النواب، وهو الهيئة المشترعة التي لا حدود لسلطتها سوى ما ينص عليه الدستور.
وبما انه وقياساً على الحلول التي اعتمدها القانون المقارن بهذا الخصوص، ولاسيما الدستور الفرنسي لعام 1958، فانه يتبين ان هذه النصوص الدستورية، بالرغم من اختلافها الصريح عن النصوص الدستورية اللبنانية في هذا المجال اذ انها أدخلت في متنها حق التعديلLe droit d’amendement ووضعت آلية وتنظيما وقيودا لممارسته، حتى كأنه أصبح مرادفا للمبادرة التشريعيةLe corollaire de l’initiative législative فهي لم تذهب الى حد اعتباره انه يحل محل المبادرة التشريعية:
“Le droit d’amendement ne peut être utilisé à la place des projets et propositions de loi mentionnés à l’article 39 de la Constitution. »
La Constitution de la Ve République. Pratique et jurisprudence, Charles Debbasch, Dalloz, 1999, p.178, n°6.
وبما ان المجلس الدستوري الفرنسي، في مقاربته للمادتين 39 فقرة أولى و44 فقرة أولى من الدستور الفرنسي، يحرص دوما على ان لا يقيد النواب والشيوخ أنفسهم بما يمس حرية ممارسة حق التعديل المحفوظ لهم في الدستور، فيحميهم من أنفسهم لأن ممارسة حق التعديل في ظل الجمهورية الخامسة أصبح عنصرا أساسياً من مرحلة المناقشة التشريعية:
“La possibilité de proposer des modifications au texte soumis aux Assemblées est devenue, sous la Ve République, l’élément essentiel de la phase de discussion législative.”
Droit du contentieux constitutionnel, Dominique Rousseau, Montchrestien,
4e éd., p.252.
“Selon l’article 39-1 de la Constitution, “l’initiative des lois appartient concurremment au premier ministre et aux membres du Parlement”, auxquels l’article 44-1 confère également –de même qu’au gouvernement, contrairement à la tradition républicaine d’avant 1958-le droit d’amendement. Le Conseil constitutionnel veille à ce que députés et sénateurs, dont très peu de propositions de lois aboutissent, ne puissent pas se lier eux-mêmes par des clauses de non-modification relatives au délai ou au contenu, mais soient en mesure d’exercer “réellement” leur droit d’amendement (et de sous-amendement, qualifié d’indissociable bien que non expressément cité dans le texte constitutionnel) tant par “l’ampleur des discussions devant les assemblées que par le nombre et l’importance des modifications apportées au cours des débats… »
Contentieux constitutionnel, Dominique Turpin, PUF, 1994,p.517.
وبما انه، من باب القانون الفرنسي المقارن أيضاً، وفي ظل الجمهورية الثالثة كتب العلامة الفرنسي Eugène Pierre ما حرفيته:
“L’amendement se distingue de la proposition (NB:ou du projet) en ce qu’il n’a pas, comme celle-ci, le pouvoir de faire naître une question nouvelle; il ne peut se produire qu’à l’occasion d’une affaire dont la Chambre est déjà saisie. »
Traité de droit politique, électoral et parlementaire, Eugène Pierre, 1893, p.734.
وبما انه في ضوء كل ما سبق، يرى المجلس الدستوري ان اقتراحات التعديل التي يتقدم بها أي من النواب خلال جلسات مجلس النواب والتي تطال اقتراح قانون أو مشروع قانون مطروح على المناقشة العامة لا تعتبر بمنزلة اقتراح القوانين بمفهوم المادة 38 من الدستور، بحيث انه اذا سبق لأحد النواب ان تقدم باقتراحات تعديل على قانون معين وسقطت عند التصويت عليها ولم تنل موافقة المجلس فليس من مانع دستوري يحول دون ان يطرح اقتراح قانون أو مشروع قانون على مجلس النواب بنصوص مماثلة للاقتراحات المذكورة، وعليه تكون اقتراحات تعديل المواد 13 و14 و32 و42 و47 من القانون رقم 328\2001 (أصول المحاكمات الجزائية) التي تقدم بها أي من النواب خلال أي جلسة تشريعية وسقطت دون ان تنل موافقة المجلس عليها، قابلة لاعادة طرحها ثانية للبحث أمام الهيئة العامة لمجلس النواب في العقد ذاته بشكل اقتراح قانون، مما يستتبع اعتبار السبب الأول لهذه الجهة مردوداً.
أما فيما يخص بمبدأ الاستقرار التشريعي، والذي اكتفت مراجعة الطعن باعتباره من أهم ركائز النظام السياسي في لبنان واعتبار مخالفته مخالفة لأهم القيم الدستورية مما يعرض العمل الذي يمس به الى البطلان، فان المجلس الدستوري يرى ان هذا السبب لا يستقيم وذلك للدواعي التالية:
- بادئ ذي بدء لا يمكن ان يمس القانون المطعون فيه بمبدأ استقرار التشريع لأنه قانون تعديلي أصبح نافذا فور نشره في العدد 41 من الجريدة الرسمية تاريخ 18\8\2001، في حين انه يعدل بعض مواد القانون رقم 328\2001 (أصول المحاكمات الجزائية) الذي أقر ونشر ولم يدخل لحينه حيز التنفيذ، اذ ان المادة 429 منه تنص على انه "يعمل بهذا القانون بعد مرور ثلاثة أشهر على نشره في الجريدة الرسمية"، أي انه لن يصبح نافذا قبل تاريخ 7\11\2001، بحيث لا يمكن ان يتأتى عن تعديله أي مس بمبدأ ثبات التشريع، طالما ان هذا التشريع لم يدخل حيز التنفيذ بعد ويستقر واقعا وممارسة ليصبح ثابتا بمفهوم المبدأ المذكور.
- ان مبدأ استقرار التشريع ليس بحد ذاته مبدأ دستوريا أو ذات قيمة دستورية، ولا يسع المجلس ان يضفي هذه الصفة أو هذه القيمة على المبدأ المذكور في ظل أحكام دستورية صريحة، سبق استعراضها، كرست مبادرة التشريع لكل من مجلس النواب ومجلس الوزراء دون قيد سوى ما ورد اجرائيا في المادة 38 من الدستور، وأناطت سلطة التشريع بمجلس النواب وجعلت منها سلطة سيادية (souveraine) وأصيلة ومطلقة لا تحدها سوى الحدود المنصوص عنها في الدستور بمقدمته ومتنه والمواثيق والقواعد والحقوق والمبادئ التي يشير اليها ويضفي عليها القيمة الدستورية، حتى اذا تجاوز التشريع هذه الحدود ووقع تحت رقابة المجلس الدستوري أصبح عرضة للابطال:
« Le législateur est libre de modifier des dispositions législatives même récemment adoptées dès qu’elles ne privent pas, comme en l’espèce, de garanties légales des principes constitutionnels. »
C.C92 -317, D.C, 21 janv.1993, R.p.27, cit. dans Droit du contentieux constitutionnel, Dominique Rousseau, Montchrestien, 4e éd., p. 127.
« Le législateur ne peut lui-même se lier … Une loi peut toujours et sans condition, fût-ce implicitement, abroger ou modifier toute loi antérieure ou y déroger. »
C.C.82 -142 D.C., 27 juill., 1982, R.p.52
وهذا يعني انه يحق للنواب اقتراح القوانين وأعمال التشريع في جميع المواضيع وفي أي حين، بحدود ما هو منصوص عنه في الدستور وما يقع بمنزلته.
- ان التشريع يرمي بحد ذاته الى تنظيم الحياة العامة ومصالح الافراد والمجموعات، وهو في ذلك يتكيف مع مقتضيات هذه الحياة والمصالح ومستلزماتها وتطورها، بحيث يوفر لها الأطر القانونية التي تضمن سلامة ممارسة الحقوق وحمايتها كما يوفر احترام المصلحة العامة وحمايتها أيضا، هكذا يفترض ان يكون التشريع هادفا الى حماية المصلحة العامة والحقوق المشروعة للأفراد والمجموعات التي يتكون منها الإقليم الذي تمارس الدولة عليه سيادتها، وان الاعتبارات التي تدعو المشرع الى التشريع لتحقيق او مواكبة هذه الأهداف يفترض ان تكون دوما محققة للصالح العام L’intérêt général، وان المجلس الدستوري لا يسعه اعمال رقابته على هذه الاعتبارات التي تملي التشريع على المشرع، وذلك لان القضاء الدستوري لا ينظر في ملاءمة التشريع بل في دستوريته، وهذا ما يعبر عنه باجتهادات دستورية عربية "ان الرقابة القضائية على دستورية التشريعات لا تمتد الى ملائمة إصدارها، وباجتهادات دستورية فرنسية ثابتة:
Le Conseil a souvent rappelé qu’il “ne dispose pas d’un pouvoir général d’appréciation et de décision identique à celui du Parlement” et que “il ne lui appartient pas de se prononcer sur l’opportunité de dispositions législatives.”
Contentieux constitutionnel français, Guillaume Drago, PUF, 1998, pp.306-307.
وان المجلس الدستوري، لو قدر له اعمال رقابته على الملاءمة التشريعية، أي على الاعتبارات والأسباب التي حدت بالمشترع على سن القانون المطعون فيه في حين سبق له في العقد ذاته أن أصر على نص القانون قبل تعديله رافضا ادخال تعديلات عليه مماثلة لتلك الواردة في القانون المطعون فيه، لكان اتخذ من التشريع الأخير موقفا مغايرا وسلبي المنحى والمضمون مما كان سوف يشكل أكثر من مجرد ادانة معنوية للمشرع، بل ادانة للتشريع ذاته قد تفضي الى ابطاله بسبب الانحراف التشريعي.
وعليه، يرى المجلس الدستوري في ضوء كل ما سبق، ان القانون المطعون فيه لا يمس بمبدأ الاستقرار التشريعي في شيء وان هذا المبدأ في الأصل لا يتمتع بحد ذاته بالحماية الدستورية، مما يستتبع اعتبار هذا السبب مردودا أيضا.
في السبب الثاني: في مخالفة المادة 57 من الدستور والتحايل على أحكامه:
وبما ان المجلس قد رأى، في معرض بحثه في السبب الأول الذي ارتكزت عليه مراجعة الطعن الحاضرة، ان المادة 57 من الدستور لا تتعلق بالتشريع ولا تنظم عملية إقرار القانون خلال المناقشة الثانية له، بل هي مادة تتعلق بالسلطة الإجرائية وتنظم الحالة التي يكون فيها رئيس الجمهورية مجبرا على اصدار القانون في حال مارس حقه بطلب إعادة النظر فيه وتوفرت أكثرية موصوفة في مجلس النواب تناهض هذا الطلب، وان لا تداخلا على الاطلاق بين ممارسة رئيس الجمهورية لحقه المنفرد هذا بطلب إعادة النظر بالقانون وسلطة اطلاق التشريع المحفوظة دستورا لكل من مجلس النواب ومجلس الوزراء، كما وسلطة إقرار التشريع أي سن القوانين، المحصورة دستورا بمجلس النواب.
وبما ان المجلس يرى ان من قدم اقتراح القانون المطعون فيه انما مارس حقه الدستوري باقتراح القوانين، عملاً بالمادة 18 من الدستور، ولا تندرج ممارسته لهذا الحق في العملية الدستورية المحددة في المادة 57 من الدستور، وهي عملية مستقلة تماما عن عملية اقتراح القوانين، فلا يعطل حق دستوري حقا دستوريا آخرا عند ممارسة أي منهما.
وبما انه، والحالة هذه، لا يمكن ان يشكل اقتراح القانون بنتيجة ممارسة مجموعة من النواب لحق دستوري التفافا على أحكام الدستور أو تحريفا لها، بمجرد انها تؤدي الى قراءة إضافية للقانون، وذلك لأنه لا يمكن تحميل المادة 57 من الدستور أكثر ما تحتمل من نتائج وهي لا يمكن في مطلق الأحوال ان تعطل في ممارسة الحق المنصوص عنه فيها سلطة اقتراح القوانين وسنها، ما لم يحل دون ذلك نص دستوري قائم وحاجب أو قاعدة أساسية أو مبدأ من المبادئ ذات القيمة الدستورية.
وبما ان اعتبار المجلس ان لا مخالفة لأحكام المادة 38 من الدستور يستتبع القول حتما بأن اقتراح القانون المطعون فيه لم يأت مغايرا للأصول الدستورية أو مضيفا لوسيلة جديدة لاعادة النظر في القانون، بحيث لا يمكن اعتبار القانون المطعون فيه التفافا من هذه الناحية على أحكام الدستور.
وبما ان المجلس يكتفي بموضوع التجاذبات السياسية واستقرار التشريع وسمعة مجلس النواب والثقة بالنظام السياسي وأهله، على ما أوردت مراجعة الطعن تحت هذا السبب الثاني، بما سبق ان أثاره عند مناقشته لمبدأ الاستقرار التشريعي بمعرض السبب الأول أعلاه.
وعليه، يرى المجلس الدستوري، في ضوء كل ما سبق، ان القانون المطعون فيه لم يخالف المادة 57 من الدستور أو يتحايل على أحكامه، مما يستتبع اعتبار هذا السبب مردودا.
في السبب الثالث: في مخالفة مجموعة الحقوق الدستورية للمواطنين:
بما ان المجلس يرى لزوما عليه ان يتناول القانون المطعون فيه مادة مادة، على ما فعلت مراجعة الطعن الحاضرة، لكي يتسنى له الوقوف على انطباق كل مادة منها أو عدم انطباقها على الدستور، على ما ادلى به المستدعون من ان هذه المواد قد خالفت مجموعة الحقوق الدستورية للمواطنين، وتحديدا تلك الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان المشار اليه في الفقرة "ب" من مقدمة الدستور، وسائر المبادئ الدستورية:
1- وبما ان مراجعة الطعن تعيب على المادة 13 المعدلة بالقانون المطعون فيه انها كرست صلاحية النائب العام لدى محكمة التمييز بأن يبت نهائيا في أي خلاف بين مرجع غير قضائي وبين أي من النيابات العامة الاستئنافية أو المالية او العسكرية بشأن منح الترخيص بالملاحقة الجزائية عند توجبه، وان هذه الصلاحية تضع الفرد وحقوقه وحرياته تحت رحمة السلطة السياسية التي يعود لها، عبر وزير العدل، اصدار التوجيهات للنيابة العامة بشأن الملاحقة، وهذا ما يتعارض مع حق الفرد بأن يكون مع السلطة متساويا أمام القانون وبأن يتمتع بحماية متكافئة منه على ما نصت عليه المادة 7 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان.
وبما ان المجلس يرى ان النائب العام لدى محكمة التمييز يعود اليه القرار النهائي باجراء الملاحقة الجزائية أو عدم اجرائها، وفقا لما تقره الأصول الإجرائية، مما يتوافق ومبدأ استقلالية السلطة القضائية ومبدأ فصل السلطات وهما من المبادئ التي يرتكز عليها الدستور ويكرسها في أحكامه.
وبما ان حماية الحرية الشخصية تكون مضمونة لدى القضاء الواقف كما لدى القضاء الجالس، عملاً بمبدأ وحدة القضاء العدلي، وهذا ما سبق ان أقره المجلس الدستوري الفرنسي في قرار شهير له، بالرغم من ان مهام القضاء الواقف قد تحمله على ايثار حماية الانتظام العام على سواه من الاعتبارات:
C.C.93 -323 D.C. 5 août 1993, R.p.213.
وبما ان اجتهاد المجلس الدستوري الفرنسي يأخذ بالمبدأ القائل بأن السلطة القضائية هي حامية الحريات الفردية وبأن هذا المبدأ يكون في منأى عن أي مساس به اذا أحاط المشرع ما يمكن ان يؤذي هذه الحريات الفردية بضمانات معينة تصب جميعها في خانة تدخل القضاء في أسرع وقت ممكن، وهذا ما يحصل عندما يضع النائب العام التمييزي يده على الملاحقة الجزائية عند بته نهائيا بالخلاف على الترخيص بالملاحقة:
“…Le Conseil estime satisfait le principe de l’autorité judiciaire gardienne de la liberté individuelle, dès lors que le législateur entoure et accompagne les possibles atteintes à la liberté individuelle de garanties nombreuses et précises; en particulier même, le respect du principe se réduit, selon le Conseil, à prévoir l’intervention, à un moment donné, rapide si possible, du juge… L’existence d’un recours juridictionnel apparaît donc comme la seule exigence véritable qui s’impose au législateur”.
Droit du contentieux constitutionnel, Dominique Rousseau, Montchrestien,
4e éd., p.233.
وبما ان المجلس يرى، بالإضافة الى ما سبق، ان الترخيص المطلوب للملاحقة الجزائية هو اجراء متعلق بمناقبية التعامل بين المراجع القضائية والمراجع غير القضائية ولا يؤلف حصانة مانعة للملاحقة الجزائية كما لا يمس بمبدأ المساواة بين المواطنين والسلطة العامة أو يعطي هذه الأخيرة امتياز على الأفراد يعرض حقوقهم وحرياتهم للخطر، وذلك لأن القانون هو الذي يتحكم دون سواه بطريقة الملاحقة القضائية ويضع لها الضوابط والضمانات اللازمة، وذلك عملاً بالمادة 20 من الدستور.
وبما ان المجلس لا يرى في المادة 13 المذكورة المعدلة بالقانون المطعون فيه أي مساس بالدستور وبحقوق الأفراد المكرسة في المواثيق التي يعطف عليها الدستور في مقدمته، لاسيما الشرعة العالمية لحقوق الانسان، فيكون السبب الذي ادلى بها المستدعون لهذه الجهة مستوجبا الرد.
2- وبما ان مراجعة الطعن تعيب على المادة 14 المعدلة بالقانون المطعون فيه توصلا لطلب ابطالها، من انها تولي النائب العام التمييزي الحق باجراء التحقيق عند الاقتضاء دون ان يكون له حق الادعاء، مما يطيل امد التحقيقات الأولية والتوقيفات على ذمة التحقيق دون مبرر، وهذا ما يتعارض كليا مع قرينة البراءة التي يكرسها الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان.
وبما ان ما تتذرع به مراجعة الطعن لهذه الجهة لا يستقيم بحكم وحدة الملاحقة الجزائية ووحدة النيابة العامة وعلى رأسها النائب العام التمييزي الذي خوله القانون سلطة على جميع قضاة النيابة العامة بمن فيهم مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، بحيث يعود للنائب العام التمييزي ان يوجه الى كل منهم تعليمات خطية أو شفهية في تسيير دعوى الحق العام، ويحيل على كل منهم، حسب اختصاصه، التقارير والمحاضر التي ترده بصدد جريمة ما ويطلب اليه تحريك دعوى الحق العام فيها، على ما ورد صراحة في الفقرات الثلاث الأولى من المادة 13 من القانون رقم 328\2001 (أصول المحاكمات الجزائية).
وبما ان ممارسة النائب العام التمييزي لصلاحياته هذه، لاسيما اجراء التحقيق عند الاقتضاء، كما وممارسة قضاة النيابات العامة صلاحياتهم باشراف النائب العام التمييزي، ومنها صلاحية الادعاء، انما تتم جميعها في ظل الضوابط والضمانات التي وضعها المشترع حماية لحقوق الافراد، لاسيما المتقاضين منهم، ولا يرى المجلس في كل ذلك خروجا على مبدأ قرينة البراءة وهو من المبادئ المصانة دستورا لتكريسه في المادة 11 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان، مما يوجب اعتبار هذا السبب مردودا بفرعيه.
3- وبما ان مراجعة الطعن تعيب على المواد 32 و42 و47 المعدلة بالقانون المطعون فيه انها تخالف الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان من حيث انها تطيل فترة التوقيفات على ذمة التحقيق مما يتعارض مع قرينة البراءة المكرسة في الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان، كما ومع المادة 5 من هذا الإعلان التي تحظر ممارسة التعذيب على الانسان واعتماد أساليب القساوة عليه او إهانة كرامته، كما والمادة 8 من الدستور التي تنص على ان الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن ان يقبض على احد او يحبس او يوقف او يتحدد جرم او تتعين عقوبة الا وفقا لأحكام القانون.
وبما ان المجلس الدستوري لا يرى أي ترابط سببي أو عضوي بين تمديد المدد الوارد في كل من المواد المذكورة أعلاه وقرينة البراءة، او التجاوزات التي يمكن ان تحصل من اكراه او تعذيب او إهانة، طالما ان هذا التمديد لا ينفي الضمانات التي وضعها المشترع صوناً لحقوق المشتبه بهم وحفاظا على قرينة البراءة التي ترافقهم حتى مراحل انتهاء المحاكمة، وان كل خروج على القانون وتجاوز له في معاملة المشتبه بهم، مهما كانت مدة التوقيف الاحتياطي، وهي على كل حال لم تمدد الا بمقدار الضعف في الساعات والأيام، انما يشكل جرما يعاقب عليه القانون اذ لا حصانة لأحد عند خرقه القانون في ممارسة عمله، وعلى الأخص اذا كان هذا العمل يتعلق بالتحقيق مع المشتبه بهم توصلا لجلاء الحقائق والوقائع الثابتة والكشف على الجرائم عن غير طريق الاكراه وانتزاع الاقرارات بالعنف الجسدي او المعنوي الذي لا تقره القوانين المعنية.
وبما ان المجلس لا يرى في المواد 32 و42 و47 المعدلة بالقانون المطعون فيه ما يمس بالحقوق والمبادئ والمواثيق المصانة في الدستور مما يستتبع اعتبار هذا السبب مردودا أيضاً بفروعه كافة.
لهذه الأسـباب
وبعد المداولـة،
يقرر المجلس الدستوري:
أولاً: في الشكل:
قبول مراجعة الطعن لورودها ضمن المهلة، مستوفية شروطها القانونية كافة.
ثانياً: في الأساس:
ردّ مراجعة الطعن بجميع أسبابها واعتبار القانون المطعون فيه مطابقا كليا للدستور.
ثالثاً:
ابلاغ هذا القرار من المراجع المختصة والمستدعين، ونشره في الجريدة الرسمية.
قراراً صدر في 29 أيلول سنة 2001.