قرار رقم 3\2002



قرار رقم 3\2002

تاريخ 15\7\2002

طلب ابطال القانون رقم 430 تاريخ 6\6\2002:

انشاء حساب لادارة وخدمة وتخفيض الدين العام وحسابات اخرى لعمليات التسنيد

المواد المسند اليها القرار

 

المواد 16، 65، 83، 87 و88 من الدستور

 

رقم المراجعة: 3\2002

المستدعون: النواب السادة: الرئيس حسين الحسيني، الرئيس عمر كرامي، نائلة معوض، موريس فاضل، مصطفى سعد المصري، جورج قصارجي، محمد كبارة، محمد الصفدي، نعمة الله ابي نصر، انطوان غانم، علي عمّار.

القانون المطلوب ابطاله: القانون رقم 430 الصادر بتاريخ 6\6\2002 والمتعلق بانشاء حساب لادارة وخدمة وتخفيض الدين العام وحسابات اخرى لعمليات التسنيد، والمنشور في ملحق العدد 32 تاريخ 7\6\2002 من الجريدة الرسمية، وذلك لعدم دستوريته.

          إن المجلس الدستوري

الملتئم في مقره بتاريخ 15\7\2002 برئاسة رئيسه امين نصار وحضور نائب الرئيس مصطفى العوجي والاعضاء: حسين حمدان، فوزي ابو مراد، سليم جريصاتي، سامي يونس، عفيف المقدم، كبرِيال سرياني، مصطفى منصور، اميل بجاني.

          وعملا بالمادة 19 من الدستور،

          وبعد الاطلاع على ملف المراجعة وعلى تقرير العضو المقرر،

          وبما انه تبين ان النواب المستدعين قد تقدموا بمراجعة سجلت في قلم المجلس الدستوري تحت الرقم 3\2002 بتاريخ 22 حزيران 2002، يطلبون فيها تعليق مفعول وابطال القانون رقم 430 الصادر بتاريخ 6\6\2002 والمتعلق بانشاء حساب لادارة وخدمة وتخفيض الدين العام وحسابات اخرى لعمليات التسنيد، والمنشور في ملحق العدد 32 تاريخ 7\6\2002 من الجريدة الرسمية وذلك لعدم دستوريته، وقد ادلوا في الشكل، بأن مراجعتهم واردة ضمن المهلة القانونية ومن قبل جهة مخولة دستوريا بتقديمها، بحيث يقتضي قبولها شكلا، وفي الاساس، باشروا باستعراض حرفية نص القانون المطعون فيه واسبابه الموجبة التي تشير الى الاهداف المتوخاة من وضعه وهي تحسين ادارة الدين العام وتخفيض حجمه وكلفته عن طريق انشاء حساب خاص تتولى الحكومة من خلاله، بالتعاون مع وزارة المالية ومصرف لبنان، تحقيق هذه الاهدافبأن يصار الى ايداع ايرادات محددة في الحساب المذكور واعتماد تقنيات حديثة وادوات مالية جديدة، مما سوف يؤدي بشكل تدريجي الى خفض كلفة الدين العام وتدفق الرساميل من الخارج وبالنتيجة الى تحسين المالية العامة للدولة والى زيادة معدلات النمو الاقتصادي، واضافوا ان الدين العام المتراكم كان قد بلغ حتى شهر ايلول 1992 ما قيمته 1.588 مليار دولار اميركي، وكانت الحكومة آنذاك في بداية سنة 1992 قد قررت تحديد سقف الانفاق العام لسنة 1992 بمافيه فوائد الدين العام وسلفات الخزينة ورفع مستوى الواردات العامة الحقيقية لسنة 1992 باعتماد اجراءات معينة، ووضع سقف لسحوبات الخزينة في مصرف لبنان وتجميد رصيد الدين العام الداخلي المتوجب للمصرف المذكور تمهيدا لتسديده على سنوات عدة، واجراء مراجعة شهرية لاداء موازنة الدولة واتخاذ الاجراءات الضرورية الهادفة الى اعادة الاستقرار المالي والنقدي، غير ان الحكومة التي تشكلت في اعقاب انتخابات 1992 قد تمادت في الانفاق والاستدانة بما يفوق الامكانات اللبنانية بمستويات خيالية حتى اصبح الدين العام المتراكم اليوم في حدود 31 مليار دولار اميركي، وان البلاد تدور في حلقة مفرغة اذ بقدر ما يرتفع العجز بقدر ما يتزايد الدين العام، وبقدر ما يتزايد الدين العام بقدر ما ترتفع كلفة خدمته، وان معدل النمو في تراجه مستمر منذ سنة 1993 حتى اصبح دون الـ 1% خلال السنتين الماضيتين، واوردوا ايضا ملاحظات لاهل الاختصاص القانوني والمالي على الاسباب الموجبة للقانون وعلى مواده حين كان مشروعا قبل اقراره في مجلس النواب، وهي ملاحظات وآراء وردت في مقالات صحفية تخلص الى القول بأن الاسباب الموجبة تعتمد تحليلا خاطئا من اساسه اذ لا فائض اوليا في حسابات الدولة المجمعة طالما ان وزارة المالية ممتنعة عن تسديد مبالغ كثيرة وكبيرة لاصحاب حقوق في الخارج والداخل، وان مشروع القانون سوف يؤدي في حال اعتماده الى جعل المصرف المركزي يخرج عن دوره ليقود عمليات التسنيد، مما يشكل بدعة مالية وقانونية ودستورية في دور وطبيعة عمل المصارف المركزية، كما انه سوف يؤدي الى فسخ موازنة الدولة بايراداتها ونفقاتها الى شقين منفصلين، شق يتضمن سائر النفقات التشغيلية والتجهيزية من جهة ومن جهة اخرى جزءا من الايرادات العامة، بعد اقتطاع عدة ايرادات منها، وشق ثان يشمل في بند الايرادات ما اورده مشروع القانون بينما يتحمل في بند النفقات كامل عبء خدمة الدين العام، بحيث تصبح صورة المالية العامة اكثر اختلالا وترتفع درجة المخاطر ومستويات الفوائد ويتحمل مصرف لبنان هذا الشق المختل بنيويا.

          وبما ان المستدعين ادلوا بعد كل ذلك بأسباب الطعن التالية:

‌أ-  مخالفة القانون المطعون فيه احكام الدستور.

‌ب-مخالفة القانون المطعون فيه المبادئ المالية العامة.

‌ج- تفكيك القانون المطعون فيه الهيكلية المالية للدولة.

          وبما انه يتبين عند تفصيل اسباب الطعن اعلاه، سببا سببا، ان النواب المستدعين قد ادلوا بما يلي:

أ-في مخالفة القانون المطعون فيه لاحكام الدستور:

ادلى المستدعون لهذه الجهة بأن الدستور اللبناني قد نص في مقدمته، كما ورد في مقدمة وثيقة الوفاق الوطني، ان النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، وان المادة 16 من الدستور ناطت السلطة المشترعة بهيئة واحدة هي مجلس النواب وان المادة 88 من الدستور تنص على انه لا يجوز عقد قرض عمومي ولا تعهد يترتب عليه انفاق من مال الخزانة الا بموجب قانون، وان القانون المطعون فيه قد أحلّ السلطة التنفيذية محل السلطة المشترعة في ممارسة اختصاصها باصدار قواعد ملزمة لها صفة التشريع خلافا للنص الدستوري وخلافا للمبدأ العام بأن لا حلول بدون نص، وان هذا الحلول حصل في شأن مالي خلافا لاحكام المادة 16 من الدستور لجهة الاختصاص وخلافا لاحكام المادة 88 منه لجهة عقد القروض وترتيب الانفاق على الخزينة، وانه لا يجوز عملا بكل ما سبق ان تتنازل اي سلطة عن اختصاصاتها وتفويض سلطة اخرى بها، بحيث يكون القانون المطعون فيه، بكامل مواده، متعارضا واحكام وثيقة الوفاق الوطني والدستور ومخلا اخلالا فاضحا بمبدأ الفصل بين السلطات، بحيث يقتضي اعلان بطلانه.

ب- في مخالفة القانون المطعون فيه المبادئ المالية العامة:

ادلى المستدعون لهذه الجهة بأن الدستور اللبناني قد افرد للشؤون المالية احكاما خاصة في مواده 81 الى 89 وادخلها في الوظيفة التشريعية واوجب اصدارها بموجب قوانين لاهميتها وخطورتها، وان انشاء حساب هو اجراء محاسبي عادي لا يتطلب سن قانون الا اذا كانت الغاية غير ما هو معلن، ولا يدار الدين العام من خلال اجراء محاسبي، بل ان مثل هذه الادارة هي من صميم اختصاصات الخزينة العامة، وان تخصيص ايرادات ناتجة عن الرسوم والضرائب لاستعمالها في وجه انفاق محدد هو من التصرفات المحظورة في المالية العامة عملا بمبدأ شمولية الموازنة Universalité du budget، الذي يقضي بأن تشمل الموازنة كل انواع الانفاق وكل انواع الايراد دون تخصيص انفاق معين لايراد معين، بحيث يبدو ان غاية القانون ليست انشاء حساب بل اقتطاع جزء من ايرادات الدولة العامة لاستعمالها في ادارة الدين العام خلافا للمبادئ الدستورية المعترف بها دوليا في تنظيم المالية العامة، واستعمال ايرادات مستقبلية لاصدار المزيد من الديون المعززة برهن تلك الايرادات وليس تكريس هذه الايرادات لتسديد الاستحقاقات المالية، وبذلك يكون القانون قد انشأ نوعين من الديون: ديون جديدة مضمونة بايرادات مقتطعة من الموازنة العامة وديون قائمة سوف يضعف مركزها الائتماني بفعل تدني مستوى ايرادات الموازنة بنتيجة الاقتطاع المذكور لصالح حساب الدين. ويضيف المستدعون تحت هذا السبب ان القانون يغفل تحديد معنى الكثير من المفاهيم والتعابير الفنية الواردة فيه بحيث يكون غير جلي فضلا عن انه يلغي في مادته التاسعة النصوص الدستورية المتعلقة بالموازنة العامة ومالية الدولة وقانون المحاسبة العامة، بحيث يقتضي اعلان بطلانه.

ج- في تفكيك القانون المطعون فيه الهيكلية المالية للدولة:

ادلى المستدعون لهذه الجهة ان القانون المطعون فيه يقتطع من ايرادات الخزينة بشكل الزامي وتلقائي بنودا اساسية من ايرادات الموازنة، مما يمس بمبادئ وحدة الموازنة وشموليتها وسنويتها المنصوص عنها في المادة 83 من الدستور. وبذلك يكون القانون المطعون فيه مخالفا لاحكام هذه المادة الدستورية. وقد استشهد المستدعون ببعض اجتهادات المجلس الدستوري الفرنسي الذي يعتمد على حد قولهم احكاما قانونية تماثل ما في دستورنا مركزين استشهادهم على قرار للمجلس الدستوري الفرنسي صادر في 29\12\1994 انتقد ممارسة عدم الادراج في الموازنة Débudgétisation والحد من حق السلطة المشترعة بالاطلاع Droit d'information.

ويضيف المستدعون ان القانون المطعون فيه يعتبر من القوانين المنفردة الغريبة عن الاطار التشريعي المالي والتي يمكن ابطالها لعدم دستوريتها عملا بالاجتهاد الدستوري الفرنسي، وانه لا يتقيد بمبدأ احترام مضمون الموازنة وبمبدأ الرقابة التي يمارسها مجلس النواب الذي يجب عليه ان يكون مطلعا بشكل صحيح على القوانين المالية التي يجبان تتمتع بدورها بحد ادنى من الصدقية، مما يرتد على دستورية القانون المطعون فيه لانه لا يتمتع بالصدقية والوضوح بشكل كاف.

ويخلص النواب المستدعون الى ان القانون المطعون فيه يؤدي الىتفكيك الدولة على الصعيد المالي "تفكيكا فوضويا"، وانه اذا كان الدستور قد حرص على وضع الاختصاصات المالية في عهدة السلطة المشترعة فذلك لاهميتها وخطورتها وخصوصا علاقتها وسيادة الدولة والسيادة في الدولة على مقدراتها، بحيث يقتضي، في ضوء كل ما سبق، اعلان بطلان القانون المطعون فيه.

بناء على ما تقدم

اولا- في الشكل:

          بما ان المراجعة قد وردت ضمن المهلة ومستوفية جميع الشروط القانونية فتكون مقبولة شكلا.

ثانيا- في الاساس:

1- فيما يتعلق بالسبب الاول للطعن المرتكز على مخالفة القانون المطعون فيه احكام الدستور:

          بما ان القانون المطعون فيه نص في مادته الاولى على ان تفتح الحكومة –وزارة المالية- حسابا خاصا لدى مصرف لبنان يسمى "حساب ادارة وخدمة وتخفيض الدين العام" تحول اليه حكما صافي ايرادات خصخصة اي مرفق عام تتم خصخصته خلال مدة اقصاها عشرون سنة من تاريخ نشر القانون، وتستعمل حصيلتها في خدمة الدين العام وتخفيضه واطفائه، كما نص في مادته الثانية على الاجازة للحكومة- وزارة المالية- ان تفتح حسابات عدة اخرى خاصة باسم الخزينة يخصص كل واحد منها حكما لايداع نوع واحد من المداخيل الثابتة الحالية والمستقبلية للدولة: مداخيل الهاتف ومداخيل التبغ والتنباك ومداخيل كازينو لبنان ومداخيل رسم العبور في الاجواء اللبنانية واية مداخيل تنتج عن قطاع يصار الى خصخصته باستثناء ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة والرسوم البلدية المتوجبة على هذه المداخيل وذلك لمدة اقصاها اثتنا عشرة سنة من تاريخ نشر هذا القانون. ويقصد بالمداخيل المستقبلية بمفهوم هذا القانون المداخيل المستحقة وغير المستحقة التي نشأت ولم تحصل وكذلك التي لم تتحقق بعد.

          وبما ان القانون المطعون فيه قد تضمن ايضا في مادته الثالثة انه يمكن بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية تحويل الى "حساب ادارة وخدمة وتخفيض الدين العام" وذلك من اجل اعادة تمويل الدين العام او تخفيضه او اعادة هيكلته:

أ- القروض المخصصة لخدمة الدين العام او لتخفيضه او لاعادة هيكلته والموافق عليها من مجلس النواب.

ب- المنح والمساعدات المخصصة لنفس الغرض.

          كما تضمن القانون المطعون فيه في مادته الرابعة انه يمكن بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية تحويل ايرادات اخرى الى "حساب ادارة وخدمة وتخفيض الدين العام" على ان لا تتجاوز التحويلات لاية سنة، الفائض الاولي المحقق لموازنة السنة المذكورة.

          وبما ان القانون المطعون فيه قد تضمن كذلك، في مادته الخامسة، ان وزارة المالية تقوم، من خلال الحسابات المنصوص عليها في المادة الثانية منه، ومن ضمن الاجراءات الهادفة الى تخفيف عبء الدين العام باجراء عمليات تسنيد واستحداث آليات ذات اهداف خاصة (Special purpose vehicles S.P.V) لهذه الغاية تكون منفصلة عن الذمة المالية للدولة اللبنانية وتحول وزارة المالية الى هذه الآليات ذات الاهداف الخاصة (S.P.V) بعض او كامل المداخيل المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون وتخصص حصرا الايرادات الناتجة عن عمليات التسنيد واي فائض نقدي على المستحقات والمصاريف المتعلقة بهذه العمليات لادارة وايفاء الدين العام اصلا وفائدة وانه يقصد بعملية التسنيد بمفهوم القانون المطعون فيه عملية التفرغ بصورة نهائية غير قابلة للرجوع (True Sale) عن مداخيل معينة الى هذه الآليات ذات الاهداف الخاصة (S.P.V) المنشأة لهذه الغاية وذلك بالعملة ذاتها التي يتم فيها تحصيل هذه المداخيل، على ان يحول الفائض الناتج عن عملية التسنيد الى الحساب الخاص المنصوص عليه في المادة الاولى من القانون وتخضع عمليات التفرغ هذه لاحكام قانون الموجبات والعقود ما لم ينص القانون المطعون فيه على خلافه وانه عند توقيع عملية التفرغ بين الدولة اللبنانية وكل من هذه الآليات ذات الاهداف الخاصة (S.P.V) المنشأة لكل من مداخيل الهاتف او مداخيل التبغ والتنباك او مداخيل كازينو لبنان او مداخيل رسم العبور في الاجواء اللبنانية او اية مداخيل تنتج من اي قطاع يصار الى خصخصته، يصبح كل واحد من الحسابات الخاصة المفتوحة باسم الخزينة لدى مصرف لبنان و المذكورة في المادة الثانية من القانون حكما حسابا  مميزا ومنفصلا عن اي حساب آخر (Segregated) وعن اي ذمة مالية اخرى بما فيها الذمة المالية للدولة والذمة المالية لمصرف لبنان، وتكون جميع العقود والايرادات المرتبطة بالعمليات المنوه عنها اعلاه معفاة من الضرائب والرسوم والمكوس كافة مهما كان نوعها ولأية جهة كانت بما فيها ضريبة الدخل ورسم الطابع المالي.

وبما ان القانون المطعون فيه قد نص ايضا في مادته السادسة على ان لوزارة المالية ان تكلف مصرف لبنان القيام بعمليات التسنيد المشار اليها فيه وذلك وفق الشروط التي يراها المصرف مناسبة وبعد الحصول على موافقة وزير المالية مضيفا في المادة الثامنة منه ان على وزير المالية ومسؤوليته ان يرفع الى مجلس الوزراء ومجلس النواب كشوفات شهرية (Monthly statement of account) عن وضع "حسابات ادارة وخدمة وتخفيض الدين العام" المنصوص عليها فيه، وانه في حال التعارض تتقدم احكام هذا القانون المتعلقة بانشاء حساب لادارة وخدمة وتخفيض الدين العام وحسابات اخرى لعملية التسنيد على اية نصوص قانونية اخرى نافذة بتاريخ صدوره، على ما جاء في المادة التاسعة منه، وان دقائق تطبيق احكامه تحدد بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية.

وبما ان الدستور اللبناني قد نص في مقدمته على ما يأتي:

" ه- النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها".

          وبما ان المادة 16 من الدستور نصت على ان تتولى السلطة المشترعة هيئة واحدة هي مجلس النواب والمادة 88 منه نصت على انه لا يجوز عقد قرض عمومي ولا تعهد يترتب عليه انفاق من مال الخزانة الا بموجب قانون.

          وبما انه من الواضح من مضمون القانون المطعون فيه والمثبت اعلاه ان موضوع هذا القانون ليس عقد قرض عمومي باعتبار ان القرض العمومي هو استدانة الدولة وفقا لشروط معينة، بينما ترمي الاحكام الواردة في هذا القانون الى ايفاء الدين العام عن طريق عملية تمويل وادارة جديدة للدين العام تتوسل ادوات مالية حديثة بانشاء حساب لدى مصرف لبنان لادارة وخدمة وتخفيض الدين العام وحسابات اخرى خاصة باسم الخزينة لعمليات التسنيد التي يقصد بها عمليات التفرغ بصورة نهائية غير قابلة للرجوع عن مداخيل معينة الى آليات ذات اهداف خاصة منشأة لهذه الغاية والتي يحول الفائض الناتج عنها، اي عن عمليات التسنيد، الى الحساب الخاص المنصوص عليه في المادة الاولى من القانون المطعون فيه.

          وبما ان المادة 65 من الدستور تنص على ان من الصلاحيات التي يمارسها مجلس الوزراء المناطة به السلطة الاجرائية وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها والسهر على تنفيذ القوانين والانظمة والاشراف على اعمال كل اجهزة الدولة بلا استثناء،

          وبما ان المادة 66 من الدستور تنص في فقرتها الثانية على ان الوزراء يتولون ادارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الانظمة والقوانين كل بما يتعلق بالامور العائدة الى ادارته وبما خص به،

          وبما ان احكام القانون المطعون فيه ليس من شأنها والحال ما ذكر ان تحل السلطة التنفيذية محل السلطة المشترعة في ممارسة اختصاصاتها وان هذه الاحكام لا تتضمن تفويضا لهذه الاختصاصات او تنازلا عنها حيث هي محفوظة دستورا للسلطة المشترعة، كما في الشان المالي العام حيث يتناول القانون المطعون فيه الصادر عن تلك السلطة هذا الشأن بالذات كما سبق استعراضه، بحيث لا تخل بالتالي احكامه بمبدأ الفصل بين السلطات، فيكون هذا السبب مردودا.

2- فيما يتعلق بالسبب الثاني للطعن المرتكز على مخالفة القانون المطعون فيه المبادئ المالية العامة:

          بما ان المستدعين يدلون بأن القانون المطعون فيه يوحي بأن هناك نية لتحسين ادارة الدين العام عن طريق جمع موارد معينة في حساب منشأ بقانون ينص على تخصيص (Affectation) ايرادات معنية لسداد الدين العام وان تخصص ايرادات ناتجة عن الرسوم والضرائب لاستعمالها في وجه انفاق محدد هو من المبادئ المحظورة في المالية العامة اذ ان هناك مبدأ شمولية الموازنة (universalité) الذي يوجب ان تشمل الموازنة كل انواع الانفاق وكل انواع الايرادات دون تخصيص ايراد معين الى انفاق معين وانه يبدو ان غاية القانون المطعون فيه ليس انشاء حساب بل اقتطاع جزء من ايرادات الدولة العامة لاستعمالها في ادارة الدين العام خلافا للمبادئ الدستورية المعترف بها دوليا في تنظيم المالية العامة كما انه يبدو ان القانون المذكور يسمح باستعمال ايرادات مستقبلية لاصدار المزيد من الديون المعززة برهن الايرادات المستقبلية للدولة وليس تكريس الايرادات لتسديد الاستحقاقات المالية ما ينشأ عنه نوعان من الديون:

1-    الديون الجديدة المضمونة بالايرادات المقتطعة من الموازنة العامة.

2-    الديون القائمة التي سيضعف مركزها الائتماني.

الامر الذي يساهم في اضعاف سمعة لبنان المالية ومركزه الائتماني.

          وبما ان المستدعين يضيفون بأن القانون المطعون فيه غير واضح وغير مفهوم،

          وبما ان المادة 83 من الدستور تنص على ان كل سنة في بدء عقد تشرين الاول تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة بنفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بندا بندا،

وبما انه يتبين ان المادة 83 المذكورة تنص على مبادئ ترعى اعداد الموازنة ومضمونها وهي السنوية والوحدة والشمولية والشيوع، وهي مبادئ تقليدية في علم المالية العامة،

          وبما ان تطور مفهوم الدولة ووظائفها المتزايدة تشعبا وتعقيدا في ادارة شؤونها قد قضى بالخروج على هذه المبادئ التقليدية تلبية لحاجات هذا التطور، مما يفسر لجوء الدولة وتحديدا السلطة المشترعة الى اقرار قوانين تتجاوز هذه المبادئ كالاعتمادات الدائمة او التي تفتح لاكثر من سنة واعتمادات التعهد التي تخصص لتنفيذ بعض المشاريع الانشائية الطويلة الامد التي لا يمكن انجازها في سنة واحدة والاعتمادات الاضافية، والموازنات الملحقة والتي يلحظ رصيدها او فائضها فقط في الموازنة العامة، والموازنات المستقلة،

          وبما انه من الثابت ان التطور قد طال ايضا وظيفة الموزانة التي انتقلت من مجرد وظيفة سياسية يحصرها الدستور بالسلطة المشترعة الى وظيفة متأقلمة مع مختلف الاوضاع المالية والاقتصادية، على ان تمارسها ايضا السلطة المشترعة:

« La fonction du budget a d'autre part évolué. Dans un système d'Etat régalien le vote annuel du budget constituait l'acte politique majeur, à travers lequel le Parlement donnait aux services publics les moyens de fonctionner. Cette simplicité dans les objectifs s'est estompée à l'époque contemporaine avec l'intégration de plus en plus poussée des finances publiques dans l'économie générale. Le budget est devenu un instrument conjoncturel. Il doit s'adapter et corriger les fluctuations économiques, dont il est par ailleurs étroitement dépendant en ce qui concerne ses ressources.

Les budgets se sont donc fragmentés dans le temps… »

Finances Publiques, Michel Bouvier, Marie-Christine Esclassan, Jean-Pierre Lassale, LGDJ, 3ème édition, 1996, pp. 166 et 167.

          وبما ان الاسباب التقنية المتعلقة بوظائف الدولة المالية والتعقيدات التي تواجه هذه الوظائف اكثر فأكثر قد ادت ايضا الى لجوء السلطة المشترعة الى قوانين تخصص ايرادات معينة لانفاق معين عن طريق حسابات تخصيص (Comptes d'affectation spéciale) واعتماد الموازنات الملحقة مع الاخذ بعين الاعتبار الضوابط الدستورية التي تمكن السلطة المشترعة من ممارسة رقابتها على المال العام المؤتمنة عليه دستورا اذ هذه هي الغاية من اناطة الاختصاص المالي في الدستور بالسلطة المشترعة التي يعود اليها دون سواها التشريع في المالية العامة تمكينا لها من اجراء تلك الرقابة ووضع الضوابط كتحديد مدة التخصيص ووسائل الاطلاع على اوجه وادارة الانفاق والتحصيل،

          وبما انه اذا كان من ميزات مبدأ الشمول انه يمنع التخصيص في استعمال الواردات وتفضيل نفقة على اخرى، واذا كان من المسلم به ان مبدأي الشيوع والشمول انما تقوم صلتهما على الزام السلطة التنفيذية بالامتناع عن اي انفاق لم يرصد له اعتماد في الموزانة، لكن من المسلم به ايضا في الممارسات التشريعية ان المبدأين المذكورين انما يشذ عنهما في حالات عديدة كما هي الامثلة التالية: استعمال المبالغ التي يهبها الافراد او يوصون بها لغاية معينة كفتح طريق او بناء مدرسة، .. استعمال المبالغ التي تدفعها البلديات الى الدولة على سبيل المساهمة في نفقات معينة، .. استعمال واردات بعض المؤسسات العامة ذات الطابع الاستثماري والتجاري كالهاتف والكهرباء والمياه لنفقاتها الخاصة، .. استعمال ايراد مطعم المدرسة الفندقية لشراء المواد اللازمة للمطعم، .. استعمال ايرادات اليانصيب الوطني لمشاريع اجتماعية، .. استعمال رسوم تسجيل الطلاب في الجامعة اللبنانية لتأمين نفقات الجامعة، .. استعمال الاموال الناتجة عن بيع املاك الدولة لبناء دور للحكومة والمساهمة في نفقات مشروع نهر الليطاني، .. استعمال رسم الخروج على المسافرين بطريق الجو والمحدث بموجب القانون رقم 90 تاريخ 10\9\1991 وكذلك جميع الرسوم والواردات الاخرى لمطار بيروت الدولي على انواعها لتوسيع وتطوير المطار والطرق المؤدية اليه...

          وبما انه من المسلم به ايضا انه يجوز تخصيص بعض الرسوم لتسديد دين عام كما هو الامر في كثير من الدول، او تخصيص بعض الواردات لغايات اقتصادية واجتماعية وثقافية وعمرانية كما رسم التعمير في لبنان،

          وبما انه اذا كان هذا الخروج على مبدأي الشمول والشيوع هو من الممارسات الدارجة، وكثيرا ما يبرره الواقع في ضوء التطور المشار اليه اعلاه، الا ان ما لا يجوز هو تخصيص بعض الواردات او قسم منها لنفقات معينة دائمة، عندئذ تكون المخالفة للمبدأين المشار اليهما، وهذا ما يؤكده الاجتهاد الدستوري الاكثر حداثة الذي يعتبر انه يمكن حتى تبديل تخصيص ايراد ضريبي من حاجة معينة الى اخرى بموجب قانون:

« … Dans la ligne de cette jurisprudence, le Conseil constitutionnel a estimé, dans la décision commentée, que "le principe du consentement à l'impôt n'implique pas qu'une imposition prélevée initialement pour couvrir un besoin déterminé ne puisse être affectée à la couverture d'un autre besoin"… dès lors que le Parlement a été clairement informé des motifs du choix opéré et y a librement consenti par son vote. »

- C.C., 18 déc. 2001, 2001-453 DC, D.2002, somm., p. 1953 et s.

          وبما ان القانون المطعون فيه قد راعى الضوابط الدستورية بأن حدد اوجه التخصيص واهدافه ومدته ووسائل الاطلاع والرقابة التشريعية والزم بها السلطة الاجرائية، وهو يندرج بالتالي صحيحا في نطاق سلطة التشريع المطلقة المحفوظة دستورا لهيئة واحدة هي مجلس النواب بحدود التقيد بأحكام الدستور،

          وبما ان ادلاء المستدعين بان القانون المطعون فيه قد اوجد نوعين من الديون، منها الموثق برهن ايرادات واخرى مرتكزة فقط على المركز الائتماني للدولة، هو قول لا يستقيم لان لا مخالفة لمبدأ المساواة الدستوري بين دائني الدولة على مختلف انواعهم طالما ان من شأن ادارة الدين العام والسعي الى تخفيض حجمه واطفائه تعزيز المركز الائتماني للدولة من حيث المبدأ ، فضلا عن ان دائني الدولة من حملة سندات الخزينة وسواهم و المستثمرين في الهيئات المنشأة بموجب القانون المطعون فيه ليسوا في اوضاع قانونية مماثلة او مشابهة اقله لجهة الذمة المدينة وشروط الدين، لاعمال مبدأ المساواة فيما بينهم،

          وبما انه ولجهة التدليل بعدم وضوح النص او عدم فقهه يتبين ان القانون المطعون فيه قد حدد معاني التخصيص والآليات ذات الاهداف الخاصة والتسنيد بصورة نافية للغموض، علما بأنه من المعتمد في الاجتهاد الدستوري الاكثر حداثة ان عدم وضوح القانون المالي او عدم فقهه لا يؤديان الى ابطاله الا عند تجاوزه حدا مفرطا مبددا معناه:

 

« …L'objectif d'intelligibilité (de la loi)… ne génère l'inconstitutionnalité d'une norme que dès lors que celle-ci atteint le seuil, nécessairement élevé, de la complexité excessive. »

C.C., 18 Déc. 2001, 2001-453 DC, op. cit.

 

          وبما ان المجلس لا يرى في المادة التاسعة من القانون ما يتعارض واحكام الدستور، علما ان لا مانع من ان يخالف قانون قانونا آخر من المستوى ذاته،

          وعليه يكون السبب الثاني للطعن مردودا ايضا.

3-فيما يتعلق بالسبب الثالث للطعن المرتكز على تفكيك القانون المطعون فيه الهيكلية المالية للدولة:

          بما ان تدليل المستدعين بأن من شأن القانون المطعون فيه تفكيك الهيكلية المالية للدولة يتضمن استعادة لما اوردوه في السببين الاول والثاني للطعن فيكون السبب الثالث للطعن مردودا عليه بما هو مبين اعلاه وبالتالي مستوجبا للرد.

4- تحفظات تفسيرية:

          وبما ان رد الطعن لعدم مخالفة الدستور او القواعد ذات القيمة الدستورية لا يعني انه يمتنع على المجلس الدستوري ان يحصن القانون المطعون فيه بتحفظات تفسيرية Réserves d'interprétation يتعين التقيد بها في مراحل تطبيقه وتنفيذه، اذ انه من المسلم به في اجتهاد القضاء الدستوري ان للمجلس الدستوري في الحالات التي يرد فيها الطعن ويقضي بدستورية القانون ان يفسر القانون المطعون فيه على النحو الذي يجعله اكثر اتفاقا مع احكام الدستور.

          - ينظر بهذا الخصوص المراجع التالية والقرارات الاجتهادية الواردة فيها:

Thierry Di Manno, Le juge constitutionnel et la technique des décisions interprétatives en France et en Italie, éd. 1997, p. 231 et s.

Guillaume Drago, Contentieux constitutionnel français, éd. 1998, p. 417 et s.

Dominique Rousseau, Droit du contentieux constitutionnel, 6eme éd., p. 155 et s.

Louis Favoreu et autres, Droit constitutionnel, 3e éd., p. 341 et s.

 

          وبما انه في ضوء ما تقدم من اسباب لرد الطعن، وبما ان القانون المطعون فيه يتعلق بوزارات وقطاعات عدة في الدولة وكذلك بأية مداخيل تنتج من اي قطاع يصار الى خصخصته، مما يعني ان الموضوع يتعلق بأكثر من وزارة واحدة ومن قطاع واحد، مما يضفي عليه بالتالي طابعا شبه شمولي يقربه بل يجعله داخلا في اختصاصات مجلس الوزراء المناط به، عملا بالمادة 65 من الدستور، وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها كما والاشراف على اعمال كل اجهزة الدولة من ادارات ومؤسسات بلا استثناء،

          وبما ان المجلس الدستوري، استنادا الى اختصاصه التفسيري، والى المادة 65 من الدستور، يرى ان ما ورد في المادتين التاليتين ادناه من القانون المطعون فيه انما يفسر ويجب ان يطبق كالآتي:

1-المادة الخامسة: تفسر ويجب ان تطبق بأن وزارة المالية تقوم بما نصت عليه هذه المادة من خطوات وتدابير واعمال قانونية بعد موافقة مجلس الوزراء.

2- المادة السادسة: تفسر ويجب ان تطبق بأن وزارة المالية انما تكلف مصرف لبنان القيام بعمليات التسنيد المشار اليها في القانون المطعون فيه وفق الشروط التي يراها المصرف مناسبة وبعد الحصول على موافقة وزير المالية بناء لموافقة مجلس الوزراء.

          وبما انه ومن باب الحرص على تأكيد وتحصين رقابة السلطة التشريعية على وضع حسابات ادارة وخدمة وتخفيض الدين العام موضوع القانون المطعون فيه، والى جانب المادة الثامنة منه التي توجب بأن يرفع الى مجلس الوزراء والى مجلس النواب كشوفات شهرية عنه، يرى المجلس الدستوري اخضاع وضعية تلك الحسابات الخاصة، وبصورة الزامية، لاحكام المادة 87 من الدستور التي تنص على ان حسابات الادارة المالية النهائية لكل سنة يجب ان تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة،

لـهذه  الأسـباب

يقرر المجلس:

اولا: قبول المراجعة في الشكل.

ثانيا: رد المراجعة في الاساس واعتبار القانون المطعون فيه غير مخالف لاحكام الدستور او للمبادئ العامة ذات القيمة الدستورية بالتحفظات التفسيرية الالزامية المبينة صراحة في متن هذا القرار.

ثالثا: ابلاغ هذا القرار الى المراجع المختصة ونشره في الجريدة الرسمية.

قرارا صدر في 15\7\2002.