قرار رقم 18\2009



قرار رقم 18\2009

تاريخ 25\11\2009

مخايل ضاهر \ هادي حبيش

المقعد الماروني في دائرة عكار، انتخابات 2009

 

رقم المراجعة: 2\2009

المستدعي: مخايل أنطونيوس ضاهر، المرشح الخاسر عن المقعد الماروني في دائرة عكار، في دورة العام \2009\ لانتخاب مجلس النواب.

المستدعى ضده: هادي فوزي حبيش، المعلن فوزه عن المقعد الماروني في الدائرة المذكورة.

الموضوع: الطعن في صحة نيابة المستدعى ضده.

إن المجلس الدستوري

الملتئم في مقره بتاريخ 25\11\2009 برئاسة رئيسه السيّد عصام سليمان وحضـور نائب الرئيس السيّد طارق زيـاده والسـاده الأعضاء أحمد تقي الديـن، انطوان مسـرّه، انطوان خيـر، زغلول عطيـه، توفيق سـوبره، أسـعد  دياب، سهيل عبد الصّمد و صلاح مخيبر.

بعد الاطلاع على ملف المراجعة وعلى تقرير العضوين المقررَين

بما ان المستدعي السيد مخايل ضاهر قد تقدّم بتاريخ 3\7\2009، بمراجعة الى المجلس الدستوري سجلت في القلم تحت الرقم 2\و\2009، يطلب بموجبها قبول الطعن شكلاً، وفي الأساس، اعلان عدم صحة نيابة المرشح المعلن فوزه الاستاذ هادي حبيش، وابطال نيابته، واعلان فوز الطاعن عن المقعد الماروني في دائرة عكار، واستطراداً ابطال نيابة المطعون بصحة نيابته، وفرض اعادة الانتخاب للمقعد الذي خلا نتيجة الابطال.

وهو يدلي، بأنه والمستدعي ضده كانا مرشحين عن المقعد الماروني في دائرة عكار في الانتخابات النيابية التي جرت في 7\6\2009، وفي اليوم التالي أعلن وزير الداخلية النتائج الرسمية وقد فاز فيها المستدعى ضده بأغلبية 78450 صوتاً مقابل 37956 صوتاً نالها المرشح المستدعي، ويدلي بأن طعنه المقدم ضمن المهلة القانونية مقبول في الشكل، وفي الأساس يعرض الطاعن من نحوٍ أول للخريطة الانتخابية لدائرة عكار كعدد المقاعد الانتخابية الموزعة طائفياً ومناطقياً وسياسياً، وعدد الناخبين من كل طائفة، وينتقل الطاعن، في بابٍ ثانٍ، الى توضيح الوضع الدستوري والقانوني للانتخابات ويلقي الضوء على حقوق الافراد المحمية في الدستور، ويذكّر بان الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة. ويتابع الطاعن في بابٍ ثالث، فيشدد على المخالفات المرتكبة خلال الحملة الانتخابية، والمنصوص عنها في المادة 68 من قانون الانتخاب وما رافقها من تشهير وقدح وذم وتجريح واثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية، وتحريض على ارتكاب أعمال العنف والفتنة، ومخالفات مرتكبة بواسطة الضغط والتخويف او التخوين او التحريف واسترسل الطاعن في سرد التصاريح والبيانات والخطب الصادرة عن مراجع مختلفة من سياسية واجتماعية ودينية، والمنشورة في كافة وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وذلك على مدى ثلاثين صفحة، لينتقل بعدها، في الباب الرابع الى المخالفات المتعلقة بالرشوة وشراء الأصوات، وتوسل المستدعى ضده وكل عناصر اللائحة التي انتمى اليها هذا السبيل عن طريق تسمية المندوبين في القرى والبلدات بأعداد كبيرة ولقاء مبالغ تدفع لكل رب عائلة او زعيم حي، بالاضافة الى المندوبين الثابتين والجوالين، وعن طريق الترشيحات الوهمية والاحتيالية، كما حصل بترشح الدكتور أمين اسكندر ابراهيم، زوج ابنة عم المستدعى ضده، الناشط الرئيسي في حملته الانتخابية، في هدف استفادة هذا الأخير من عدد المندوبين العائدين لهذا المرشح ومن المبالغ المحدد صرفها لحملته الانتخابية؛ علماً بأن هذا المرشح لم ينل أي صوت (تبين لاحقا انه انسحب من المعركة) ويُدخل الطاعن في باب الرشوة ايضاً: استقدام الناخبين من الخارج وتأمين كل نفقات السفر ذهاباً وإياباً، والاقامة في لبنان لمدة عشرة ايام بما لا يقل عن خمسة آلاف دولار أميركي كحد ادنى. وفي الباب الخامس يسمي الطاعن شهوداً لاثبات المخالفات المشكو منها، وفي الباب السادس يتطرق الى الخلل في أعمال الفرز وقيد الناخبين، ويذكر ان خطأ وقع في عدد الأصوات المعوّل عليها، اذ ورد في الافادة الرسمية انه 108719 صوتاً بينما الصحيح هو 119830 صوتاً، ويعتبر الطاعن ان عدد أصوات الناخبين في دائرة عكار هو223951 منتخباًُ وعدد المقترعين 120608 مقترعين والاوراق الملغاة 778 ورقة بحيث يكون المعوّل عليه 119830 صوتاً، ومن الملفت ان الطاعن، بعدما اعتبر ان الخلل الفاضح في احتساب الاصوات من قبل لجنة القيد العليا، يجعل العملية الانتخابية برمتها مشوبة بعيوب جوهرية – عاد فصرح بأنه لن يدخل في لعبة الارقام، وحجمها في طعنه بالعملية الانتخابية برمتها بسبب المخالفات العديدة والجوهرية لكل النصوص الدستورية والقانونية ذات الصلة، ويشير الى ان لجان كثيرة لم تذكر في محاضرها لا عدد المقترعين ولا عدد الاصوات المعوّل عليها لمعرفة، على الاقل، اذا كانت الاوراق الموجودة في الصندوق يزيد عن عدد المقترعين، وذكر أقلاماً تشكو من هذه المخالفات (جرى التدقيق فيها كلها من قبل المقررَين) وانتهى الى تحديد المطالب المذكورة في مقدمة هذا القرار.

وبما انه تبين ان المطعون في صحة نيابته النائب الاستاذ هادي حبيش أجاب بتاريخ 23\7\2009 على الطعن المقدم طالباً قبول لائحته في الشكل لورودها ضمن المهلة القانونية، ورد الطعن في الشكل اذا تبين انه مقدّم خارج المهلة القانونية او لا يستوفي الشروط الشكلية المفروضة قانوناً؛ وفي الأساس يطلب:

1-رد الطعن برمته للأسباب التالية:

أ-لعدم صحته وعدم قانونيته ولعدم ارتكازه على اساس قانوني سليم.

ب- لعدم ارتكاب المطعون بنيابته أية مخالفة من المخالفات المزعومة، خاصة وان الطاعن نفسه لم ينسب اليه شخصياً أية مخالفة تتسم بالدقة والجدية.

ج- لعدم تسجيل الطاعن أي شكوى ادارية او قضائية امام المراجع المختصة ولاسيما أمام النيابة العامة وهيئة الاشراف على الحملة الانتخابية.

د- لكون المخالفات المزعومة، على فرض صحتها، لا تؤثر تأثيراً حاسماً في نتيجة الانتخاب نظراً للفرق الشاسع في الأصوات التي نالها كل من الطاعن والمطعون بصحة نيابته.

ه- لعدم تسجيل الطاعن او من يمثله اي اعتراض على محاضر فرز الأقلام او امام لجان القيد البدائية والعليا، من الاعتراضات الواردة في الطعن.

و- لعدم وجود اي اثبات جدي يؤيد مزاعم الطاعن، ولأن الشهود المذكورين في استدعائه، هم من انصاره ولا يجوز الأخذ بشهادتهم.

2-الاستماع الى شهود المطعون بنيابته المذكورة اسماؤهم في المستند رقم \15\ المرفق وذلك في حال قرر المجلس سماع شهود الطاعن.

3-حفظ حق المطعون بنيابته لكافة الجهات.

وبما ان المطعون بصحة نيابته يرد باسهاب على الأسباب المدلى بها من الطاعن ونورد الرد بعجالة:

-1- في ما خص التصريحات والخطابات الصادرة عن الشخصيات الدينية والمدنية والسياسية وعن الاذاعات والهيئات المعنوية، فلا مسؤولية مترتبة تجاه المطعون بنيابته ولا يوجد قانون يحاسبه على أفعال قام بها الغير، علماً بان الأفعال المشكو منها لا تشكل ضغطاً او إكراهاً او اعتداءً على حرية الانتخابات ونزاهتها، وليس لها تأثير حاسم في نتائجها، خاصة وان اللبنانيين ينتمون منذ العام 2005 الى فريقين كما ان ادعاءات الطاعن لا تتصف بالدقة، انما هي ذات طابع عام وغير مؤيدة بأدلة، وكان له متسع من الوقت للرد عليها وللدفاع بحملة مضادة، مع الاشارة الى ان الجهة التي ينتمي اليها الطاعن لجأت الى الخطابات والتصريحات وصدر عن هيئة الاشراف على الانتخاب قرارات بحقها. وبالنسبة الى المطعون بنيابته شخصياً فقد أدلى بثلاثة تصاريح لم يذكر فيها اسم الطاعن: التصريحان الأولان صدرا في 16\5\2009، والثالث في 27\5\2009 وبالرغم من ذلك لم يسجل الطاعن اعتراضاً او شكوى وكان له متسع من الوقت لذلك وفي المطلق، لا صلة سببية بين الممارسات المشكو منها وبين المطعون بصحة نيابته وفوزه عدا عن ان الفارق الكبير في الاصوات كان منذ العام 2005.

اما بالنسبة للمخالفات المتعلقة بشراء الاصوات، فينفي المطعون بصحة نيابته، حصولها فهو لم يستعن الا بمندوبين بلغ عددهم 513 مندوباً من أصل 585 مندوباً يحق له الاستعانة بهم قانوناً، ويطلب رد المستند رقم 5 المبرز من الطاعن لعدم تمتعه بقوة ثبوتية. وبالنسبة الى ترشح أمين اسكندر ابراهيم، فهو مارس حقه في الترشيح ثم انسحب ولم يعد اي دور لمندوبيه.

اما المستقدمون من الخارج، فمزاعم الطاعن ظلت مجردة عن اي دليل. اما بالنسبة الى الخلل في أعمال الفرز وقيد الناخبين، فشيء من هذا لم يحصل كما لم يحصل تسجيل اي اعتراض او شكوى، وفي مطلق الأحوال لا يمكن لهذه المخالفات، على فرض، حصولها، ان تؤثر في نتيجة الانتخاب مع الفرق الشاسع في الأصوات بين المنافسين الراهنين.

وبما ان المقررَين استمعا بتاريخ 12\8\2009 الى الطاعن الاستاذ مخايل ضاهر، واستمعا في جلسة  13\8\2009  الى المطعون  بصحة نيابته  الاستاذ هادي حبيش، وأجريا التحقيقات اللازمة من كشف وتدقيق في السجلات والقيود والملفات والوثائق ومراجعة محاضر الاقتراع ومطابقة نتائجها مع النتائج المدوّنة في سجلات لجان القيد القضائية واعادا فرز بعض الأصوات في بعض الأقلام والمحاضر وقاما بكل ما من شأنه تكوين قناعتها.

بنــــاءً عليــــه

أولاً: في الشكل

بما ان العملية الانتخابية جرت في كل لبنان وبالتالي في عكار بتاريخ 7\6\2009، وأُعلنت نتائجها في اليوم التالي بتاريخ 8\6\2009، فيكون الطعن الوارد والمسجّل في قلم المجلس الدستوري بتاريخ 3\7\2009، والموقّع من الطاعن بالذات، مستوفياً سائر شروطه المفروضة في المادة \24\ من قانون انشاء المجلس الدستوري الرقم 250\93، والمادة \46\ من قانون النظام الداخلي للمجلس الرقم 243\2000، وبالتالي مقبولاً شكلاً.

ثانياً: في الأساس

بما ان مقدم الطعن بنى مراجعته على ثلاثة اسباب أساسية هي:

1-المخالفات المرتكبة المنصوص عنها في المادة\68\ من قانون الانتخاب

2-المخالفات المتعلقة بالرشوة وشراء الأصوات

3-الخلل في أعمال الفرز وقيد الناخبين.

وبما انه يتعين بحث هذه الاسباب تباعاً:

1- في المخالفات المرتكبة المنصوص عنها في المادة \68\من قانون الانتخاب

ان الطاعن السيد مخايل ضاهر، يعيب على العملية الانتخابية، ويأخذ على الجو الذي ساد الانتخابات النيابية العامة التي جرت في دائرة عكار بتاريخ 7\6\2009، ارتكاب مخالفات جمّة وجسيمة تقع تحت احكام المادة 68 من قانون الانتخاب وبخاصة فقرتها الرابعة، ومن هذه المخالفات: التشهير والقدح والذم والتجريح بالمرشحين وباللوائح التي ينتمون اليها، واثارة النعرات الطائفية واستنهاض المشاعر المذهبية والحزبية الضيقة والعرقية، وتوسل وسائل الضغط والتخويف والتحريض على أعمال العنف والفتنة، ويعتبر الطاعن ان هذه المخالفات اثرّت في حرية الناخب وكبّلت ارادته وحملته نحو اللائحة المخاصمة.

وبما ان المطعون بصحة نيابته السيد هادي حبيش يرد نافياً مسؤوليته الشخصية ومؤكداً عجزه عن منع حصول الأفعال المشكو منها والتي لم تؤثر في ناخبي عكار ولا في نتيجة الانتخاب، لأن استشهاد الرئيس رفيق الحريري بتاريخ 14\2\2005، ومنذ هذا التاريخ، أخذ مؤيدوه ومحبوه وحتى طائفته اتجاهاً معيناً واضحاً وثابتاً... وانتهى الى تأكيد اقدام الشخصيات المعارضة على مخالفة احكام المادة 68 من قانون الانتخاب، وصدور قراري تنبيه من هيئة الاشراف على الانتخاب.

وبما انه تجدر الملاحظة في المستهل، ان حرية ابداء الرأي، المصانة من الدستور والمحمية بالقوانين والمواثيق، لا يمكن ممارستها بالانفلات من كل عقال وبالخروج عن كل ضابط، والتحول نحو الفوضى والاخلال بالانتظام العام.

غير ان ما يشكو منه الفريقان، على الرغم من خروجه عن المألوف، وعلى مخالفته القانون، لا يرتقي الى جسامةٍ تبطل معها نيابة نائب منتخب، خاصة وان الفريقين خالفا أحكام القانون والمبادئ الديمقراطية... فالتصاريح، والتصاريح المضادة، بالوصف المبين اعلاه، تشكل مخالفة مشتركة من كل المتنافسين، وما تبثه وسائل الاعلام لا يؤثر في نفوس الناخبين ولا ينقلهم من منقلب الى آخر لأن لكل وسيلة اعلامية مشاهديها الحصريين او شبه الحصريين، ولكل مرشح او خطيب مؤيدوه دون سواه، ما من شأنه الحد من التأثير عليهم وعلى الرأي العام، وبذلك لا تقبل الشكوى من استفادة مرشح لوحده مما بثته وسائل الاعلام.

«Ainsi même lorsque de nombreuses irrégularités peuvent être reprochées au candidat élu, les griefs perdent une partie  de  leur force dès lors qu’il apparaît que les autres candidats ont usé de  procédés  analogues. Le principe de l’égalité des candidats se trouve en quelque sorte préservé dans l’irrégularité.»

L. Favoreu et L. Philip : Les grandes décisions du Conseil constitutionnel, 14e éd., p.27.

وبما انه تجدر الاشارة الى ان اعتبار صدور مخالفات لأحكام المادة68 من قانون الانتخاب من الجانبين المتنافسين، يؤدي الى توازي الضرر او اندثار نتائجه، لا يعني قطعاً غض المجلس الدستوري الطرف عن الاساءات المتبادلة والمخالفات المتقابلة، ولا يعني ابداً تشجيع الفريقين على ارتكاب المخالفات، انما المبنى لهذا الموقف يكمن في ان مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، في الاعلام والاعلان والانفاق مثلاً للرد على المخالفات في الوقت الكافي لذلك، وللدفاع عن النفس قِبَلِها، يضعف فعاليتها ويقلل من اهميتها ومن الرغبة للتأثر بها.

وبما ان المستدعي – الطاعن - الى جانب عجزه عن اثبات مدى تأثير ما يشكو منه (الدعاية الكاذبة - الأخبار الملفقة-المناشير والتسريبات الصحفية المقصودة-النشرات الاعلانية والمماحكات الانتخابية "Polémique électorale " وما تجاوزها الى القدح والذم والتشهير) – على الانتخابات لم يرد عليها ولم يدحض مضمونها بالوسائل القانونية المتاحة، والمتنوعة والمتوفرة وكان له متسع من الوقت لذلك، مما يجرد ادعاءَه من الدّقة الكافية والجدية لكي تؤلف سبباً مشروعاً للطعن.

وبما انه يقتضي رد هذا السبب لعدم استناده الى اساس قانوني سليم.

2- المخالفة المتعلقة بالرشوة وشراء الأصوات

بما ان الطاعن يدلي بأن المطعون بصحة نيابته وكل أعضاء اللائحة التي ينتمي اليها، عمدوا الى شراء الأصوات والرشوة، وذلك عن طريق الاستعانة بالمندوبين من اكثرية الناخبين الموجودين في كل قرية وعن طريق الترشح الوهمي للسيد أمين اسكندر ابراهيم واستقدام الناخبين من الخارج.

وبما ان اختصاص المجلس الدستوري للنظر في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات النيابية، انما يقتصر  على  رقابة  صحة  الانتخاب  وصدقيته "Validité et sincérité du scrutin" وهو بذلك يفصل في النزاع بالاستناد الى اسباب طعن دقيقة واردة في المراجعة والى مستندات ووثائق مرفقة بها، وان المجلس  في هذا المجال يتمتع بسلطة تحقيق واسعة، وان الأصول في المحاكمة المتبعة لديه هي اصول استقصائية على ما جاء في المادتين (24 و 32...) من قانون انشاء المجلس الدستوري، والمادة 48 من قانون نظامه الداخلي، وهذه القاعدة الاساسية لا تخلّ بالقاعدة العامة التي تلقي على عاتق المدعي مبدئياً عبء اثبات مدعاه او على الاقل تقديم بيّنة او بدء بيّنة من شأنهما اضفاء المنطق والجدية والدقة على ادعائه، وتمكين المجلس من الانطلاق في ممارسة التحقيق وتكوين قناعته.

وبما ان المستدعي اكتفى في ما يدعيه بالعموميات دون تقديم اي دليل على ثبوت المخالفات المشكو منها، ولم يتقدم بأية شكوى ضد راشٍ او مرتشٍ ولم يسجل اي اعتراض او تحفظ لدى اقلام الاقتراع او لدى لجان القيد – كما أقرّ بذلك خلال استماعه من قبل المقررَين وكما صرح بأن ليس لديه اثبات كامل على ما ادلى به، مما يجرد مراجعته من الجدية والدقة والدليل ويجعلها غير مقبولة، ويصبح المجلس غير ملزم بالقيام بالتحقيقات على أساس اقوال مجردة ووقائع غير جدية، اذ لا يسعه الاعتداد بالادعاءات التي لا تتصف بالدّقة الكافية ولا التوقف عند الاتهامات ذات الطابع العام او غير المؤيدة ببيّنة او بدء بيّنة، وعند المخالفات غير المدونة في محاضر ممسوكة من لجان او مراجع رسمية مختصة، وقد استقر الفقه والاجتهاد في لبنان وفرنسا على اعتماد هذا الحل.

وبما انه بالاضافة الى ما تقدم، ادلى المطعون بصحة نيابته – ولم يدحض الطاعن صحة الادلاء – بأنه استعان فقط بخمسماية وثلاثة وعشرين مندوباً من اصل العدد المرخص له به والبالغ خمسماية وخمسة وثمانين مندوباً لعدم حاجته الى اكثر من ذلك ولسبب تضامن أعضاء اللائحة التي ينتمي اليها في ما بينهم لادارة العملية الانتخابية، الأمر الذي يدحض الزعم باستعانته بمندوبين وهميين لاخفاء عملية شراء الاصوات والرشوة، وفي كل الأحوال مجافاة الحقيقة والواقع تنسحب ايضاً على ما أثير خطأ في عملية ترشح السيد أمين اسكندر ابراهيم الذي عاد فانسحب ولم يعد لمندوبيه جدوى او مبرر.

وبما ان الاتهام بخرق سقف الانفاق بمصاريف هائلة وانفاقات باهظة بقي على عتبة التهمة المجردة من كل دليل والبعيدة كل البعد عن الحقيقة المكرسة في مضمون البيان الحسابي لدى هيئة الاشراف على العملية الانتخابية.

3- الخلل في أعمال الفرز وقيد الناخبين

بما ان المستدعي يدلي بان عدد أصوات الناخبين في عكار بلغ 223951 ناخباً وبلغ عدد المقترعين 120608 مقترعين، وبلغت الأوراق الملغاة 778 ورقة، ويستغرب كيف عدد المعوَّل عليه 108719 صوتاً في حين يجب ان يكون 119830 صوتاً
( 120608-778= 119830) ويعتبر ان هذا الخطأ الجسيم في احتساب الأصوات المعوّل عليها يشمل 11111 صوتاً ويجعل هذا الخلل الفاضح، العملية الانتخابية برمتها مشوبة بعيوب جوهرية. كما ذكر أخطاء كثيرة حصلت – بحسب رأيه – وذكر اربعة وعشرين قلماً يشكو الاخطاء الكبيرة فيها، وشدّد على انه ورد في القلم رقم 186 قرية مزرعة البلدة، ان عدد المقترعين بلغ ثلاثة بينما نال بعض المرشحين في هذا القلم ما يزيد عن اربعماية صوت...

وبما ان المقررَين عمدا، من نحوٍ اول، الى اجراء التحقيق الواسع حول المخالفات المدعى بها والحاصلة لاسيما لاحكام المادتين 54 و 58 من قانون الانتخاب، واجريا الكشف على محاضر الانتخاب ولوائح الشطب وعلى اوراق فرز الاصوات وتحقيقها وعلى محاضر لجان القيد البدائية والعليا، وعلى مختلف المستندات المبرزة وتوليا التدقيق في اسماء المرشحين والاصوات التي نالها كل منهم.

وبما ان المقررَين، من نحوٍ ثانٍ، وفي جلسة الاستماع الى الطاعن، عرضا امامه وعليه للمستند رقم 6 المبرز منه، وهو محضر لجنة القيد العليا في دائرة عكار الانتخابية، المتضمن – بحسب الطاعن – الاخطاء المدعى بها وبنتيجة التحقيقات الوافية ثبت الآتي:

1.موافقة الطاعن  على  ان  الاخطاء المشكو منها  والواردة  في المحضر – اللائحة – التي في حوزته ليست صحيحة وقد اطلع على الأرقام الحقيقية وعلى صحة النتيجة المبينة في محاضر اقلام الاقتراع ولجان القيد الموجودة لدى المجلس الدستوري.

2.ان عدد الناخبين في دائرة عكار بلغ 223951 ناخباً، وبلغ عدد المقترعين 120608 مقترعين وبلغ عدد الاوراق الملغاة 778 ورقة وعدد الاوراق البيضاء 354 ورقة فيكون المعوّل عليه 119830 صوتاً.

3.ان الخطأ المادي الصرف اقترفته لجنة القيد البدائية الثالثة، اذ ورد في محضرها ان عدد الناخبين هو 42765 ناخباً، وعدد المقترعين 24158 مقترعاً، والاوراق الملغاة 9 والاوراق البيضاء 13 فيكون المعوّل عليه 24149 مقترعاً، انما ورد خطأ من قبل اللجنة المذكورة انه 13041 مقترعاً. وان ما يعزز صحة هذا الامر، هو مجموع الاصوات التي نالها المرشحون الموارنة والمدوّن في محاضر لجان القيد، لان الخطأ المادي لم ينسحب على عدد الأصوات التي نالها كل منهم، انما اقتصر على العدد المعوّل عليه ورقياً وقد جرى الاحتساب امام الطاعن ووقف على النتيجة الصحيحة.

4.ان التدقيق في كافة الأقلام المبينة أرقامها في الطعن، أظهر، بما لا يرقى اليه الشك، عدم وجود أخطاء تستدعي المس بالنتيجة المعلنة، وان ورود بعض المحاضر من دون ذكر عدد الناخبين او عدد المقترعين (وهي قليلة جداً) ليس من شأنه التأثير بالنتيجة لان اعمال الفرز وتحقيقها وجمع الأصوات اكدت صحة الأرقام المعتمدة.

وبما انه بعد التدقيق في الاقلام التالية: 185 قرية مزرعة البلدة و 132 عكار العتيقة و 152 فنيدق و144 عيات (لم يرد في المحضر الرقم المعوّل عليه) و 170 القبيات الذوق، و 132 عكار العتيقة، و 128 عبوديـة و151 و160 فنيدق، و170 و173 و174 و176 قبيات – ثبت صحة الاحتساب وصحة العملية الانتخابية. وان القلم 186 مزرعة البلدة لم تشبه شائبة إذ – خلافاً لإدلاء الطاعن – تبين أن عدد المقترعين بلغ 432 مقترعاً. أما العدد 3 فهو للأوراق البيضاء. وقد نال الطاعن عشرين صوتاً والمطعون بنيابته 401 صوت.

وبما ان التدقيق الوافي الذي أجراه المقرران، أثبت صحة العملية الانتخابية، وصدقية الأرقام المسجلة في محاضر الأقلام واللجان، ما يُستبعد معه وجود خلل في أعمال الفرز وقيد الناخبين ويؤكد أن ليس من شأن بعض المخالفات أو الهفوات الادارية – (في تنظيم المحاضر أو عدم استكمال بياناتها أو النقص في توقيعها أو التنظيم على نسختين أو وصول ظرف غير مشمّع) – أن ترتقي الى درجة المخالفات والأخطاء الجوهرية التي تمس صدقية العملية الانتخابية ونزاهتها أو تؤثر في نتيجتها أو تعطل سلطة المجلس الدستوري في الرقابة سيّما مع وجود سائر المستندات والوثائق التي يمكن الرجوع اليها.

وبما أن الطاعن يدلي بوجود خلل فاضح في احتساب الأصوات ويترك للمجلس أمر التثبت من صحة القيود والأرقام.

وبما أن المجلس قد دقق في كافة الملفات المشار اليها من الطاعن وتبين انها خالية من الشوائب، أما لجهة اعادة احتساب الأصوات، فأنه من المعلوم أنه لا يؤخذ بالرقم المشكوك فيه في حال عدم قدرته على تعديل النتيجة، ولا يعمد المجلس الى اعادة احتساب الأصوات.

وبما ان الفارق الكبير في الأصوات بين الطاعن 37956 صوتاً وبين المطعون بنيابته 78450 صوتاً يجعل الرقم المشكوك فيه – على فرض وجوده وصحته – عاجزاً عن تعديل النتيجة.

وبما أنه من نحوٍ آخر، إن هذا الفرق الشاسع في الأصوات يجعل المخالفات المدعى بها – على الرغم من كونها ليست على درجة من الخطورة والجسامه، ولم تشوّه ارادة الناخبين – عاجزة كلياً عن التأثير الحاسم وتجعل الطعن غير حري بالقبول لان الاجتهاد في لبنان وفرنسا استقرّ على اعتبار أن أهمية المخالفات ليس من شأنها أن تؤدي الى ابطال الانتخاب اذا كان الفارق في الاصوات الذي يفصل المرشح المنتخب والطاعن في صحة انتخابه كبيراً جداً أو اذا لم يكن للمخالفات تأثير حاسم في النتيجة.

وبما أن الاجتهاد يشترط لأبطال الانتخاب – في حال وجود فارق مهم في الأصوات – أن تكون المخالفات في الوقت نفسه خطيرة وعديدة ومخططاً لها، ومقصودة، وأن تكون حاسمة في تأثيرها في نتيجة الانتخاب.

وبما أن المخالفات المدعى بها، من قبل الطاعن لم تبلغ الجسامة التي لها الدور الحاسم في انجاح المطعون بنيابته، وهو لا يدين لها بفوزه قطعاً ولم تؤثر في صحة العملية الانتخابية وبالنتيجة التي انبثقت عنها.

وبما أنه يتبين مما توافر في الملف، ومن مجمل العناصر الواقعية والقانونية، أنه لا يمكن الاستناد الى الأسباب والعناصر المدلى بها من الطاعن – وغير الثابتة – للقول بتأثيرها على نتيجة الانتخاب، وبخاصة مع الفارق الكبير جداً في الأصوات.

وبما أنه أخيراً، مع ثبوت خلو محاضر الانتخاب من تدوين أي اعتراضات أو شكاوى وعدم ورودها لدى هيئة الاشراف على العملية الانتخابية، ومع ثبوت خلو المحاضر من المخالفات المدلى بها في المراجعة، لا يرى المجلس فائدة من الاستماع الى الشهود، أو اللجوء الى تحقيق اضافي ويقتضي بالتالي رد ما أدلى به الطاعن لهذه الجهة أيضاً.

وبما انه لم يعد بالتالي من ضرورة لاستفاضة في تحقيق أو اجراء أو لبحث أي سبب مدلى به بصورة ثانوية وعارضة لعدم الجدية والجدوى.

وبما أنه يقتضي تأسيساً على ما تقدم رد الطعن في الأساس.

لــــــــــــــهذه  الأســــــــــــــباب

وبعـد المداولـة

يقرر المجلس الدستوري بالإجماع

أولاً: في الشكل

قبول الطعن لوروده ضمن المهلة القانونية، مستوفياً شروطه الشكلية.

ثانياً: في الأساس

رد الطعن المقدّم من السيد مخايل ضاهر، المرشح الخاسر عن المقعد الماروني في دائرة عكار في دورة العام \2009\ لانتخاب مجلس النواب.

ثالثاً: ابلاغ هذا القرار الى المراجع المختصة والمستدعي.

رابعاً: نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية.

قـراراً صـدر في 25\11\2009.